أصدقاء دروب

هل يصبح كامل إدريس واجهة لسلطة عسكرية تحت غطاء “مدني مزيف”؟

كامل إدريس..و(حدوتة) شرم الشيخ

تحليل سياسي: مجاهد عبدالله الفاطرابي

لم يكن تعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء في السودان مجرد خطوة إدارية عابرة، بل جاء كصدى عميق لتحولات صامتة بدأت تفرض إيقاعها على المشهد السياسي والعسكري في السودان.. اختيار هذه الشخصية المثيرة للجدل في هذا التوقيت، وبصلاحيات واسعة كمايتردد!.. يطرح أسئلة أكبر من الرجل نفسه.. فهل نحن أمام تغيير حقيقي في عقل السلطة في بورتسودان ؟ أم ان الذي يحدث هو مجرد إعادة ترتيب واجهة لإدارة لعبة قديمة بأدوات أكثر أناقة؟!!.

السودان يعيش لحظة حرجة وغير مسبوقة.. يتراجع فيها نفوذ الجيش تدريجياً بفعل التحول النوعي في أدوات الحرب التي أدخلها الدعم السريع إلى الميدان، وبخاصة الطائرات المسيّرة التي باغتت مدينة بورتسودان وأربكت حسابات الحكومة الانتقالية في عقر دارها..!، هذا التغير في ميزان القوى، لم يمر مرور الكرام على العواصم المعنية بالملف السوداني، وعلى رأسها القاهرة والرياض، اللتان لا تخفيان انحيازهما لبقاء الجيش (متماسكاً)..!.

وهناك في الكواليس  وفي هذه اللحظة الاستراتيجية الدقيقة.. يتردد بأن القيادة المصرية  تحركت وقدمت دعوة إلى اجتماع ثلاثي في مدينة شرم الشيخ جمعها مع المملكة العربية السعودية  ودولة الإمارات العربية المتحدة .. وكان ذلك قبل اكثر من اسبوعين.. فالأولى والثانية حليفتان تقليديتان للجيش، والثالثة تُتهم، ضمنياً، برعاية الدعم السريع.. وهناك وبحسب تسريبات  طُرحت في الاجتماع  معادلة جديدة.. إزاحة الإسلاميين من واجهة القرار في بورتسودان، واستقدام شخصية مدنية مستقلة يمكن أن تفتح باب للتهدئة، وتُشكل جسراً لتفاوض محتمل على وقف الحرب.. جاء ذلك عقب شعور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بخطر حقيقي يمكن ان يحدث للجيش السوداني ويقلب المعادلة..! إذا استمر الدعم السريع في قصف مناطق سيطرة الجيش السوداني بالمسيرات..

حيث ان هذا القصف استهدف مناطق حيوية في العاصمة الادارية بورتسودان ومناطق اخرى وكان  موجعا جدا للجيش  والذي لم يستطيع حتى هذه اللحظة صد هذه الضربات.. فالرئيس المصري كونه الاكثر دعما للجيش السوداني يعتقد جازما ان هذا السلاح النوعي الجديد منحته الحكومة الاماراتية للدعم السريع. ولعل اختيار د.كامل ادريس جاء بعد تمحيص وتدقيق المجتمعون في شرم الشيخ..!  فالرجل ذو حضور دولي وذو سيرة أكاديمية رفيعة وشخصية غير مصنّفة حزبياً، وإن كانت تحوم حوله شبهات الولاء للتيار الإسلامي، وهي التهمة التي يرفضها بشدة، الا ان هناك  من يرونه شخصية وسطية تمتلك أدوات تواصل ناعمة مع الجميع.

لكن المفارقة أن إدريس لم يكن محل ترحيب من أي من اطراف الساحة السياسية السودانية المتنازعة، فاليسار يتهمه بأنه ربيب “الإسلاميين” وفي المقابل “الاسلاميون” يشككون في ولائه ويعتبرونه يساريا ليبراليا جاء لتنفيذ اجندة غير وطنية..! ، اما  الدعم السريع ومنصاته الإعلامية فهي الاخرى  تشن عليه هجوماً عنيفاً وترى ان عبدالفتاح البرهان قبل به..! (ليبيض  وجهه..!) ليكسب شرعية اقليمية ودولية.

وعلى كل حال يبدو ان اختيار كامل لرئاسة الوزراء هو ابرز ماخرج به ذلك الاجتماع الثلاثي وبالتالي فإن اداء الرجل وسلوكه الذي سينتهجه في الفترة المقبلة سيكشف المستور.. ويحدد بشكل واضح ما اتفقت عليه هذه الدول الثلاث التي باتت الاكثر  تأثيرا على المشهد السياسي في السودان مؤخرا.

وفي اعتقادي وإن كان ذلك قد تم فعلا بين الامارات ومصر والسعودية في شرم الشيخ فإن القراءة المتأنية لشخصية عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني تشير إلى أن الرجل لم يتغيّر كثيراً.. فهو اعتاد اللعب على (التناقضات)، ولعله في هذه المرة وجد في إدريس أداة لتمرير رسالة مزدوجة: “أنا أستجيب للإقليم، ولكنني لا أفرّط في السيطرة”..! فهو يعوّل على أن يُمنح رئيس الوزراء الجديد مساحة حركة تجعل حكومته تبدو مستقلة لكنها في الحقيقة  ستبقى في ظل العسكر  وتحت طائلة حساباتهم الأمنية والسياسية.

الا انني في المقابل اجزم بان  القوى الإقليمية ذاتها لم تعد تقبل بإدارة عبثية للصراع في السودان.. فالمملكة العربية السعودية المعنية بسلامة البحر الأحمر واستقرار المنطقة لم تعد تجد في تحالف العسكر والإسلاميين صيغة يمكن أن تصمد..!! ومصر التي راهنت طويلاً على تمسك الجيش بكل خيوط اللعبة، بدأت تلمس خطر الانهيار الكامل في حال استمرار العناد..!، أما الإمارات فهي تدفع نحو مقاربة سياسية تشبه ما فعلته في مناطق أخرى  إزاحة “الأيديولوجيا” لصالح “البراغماتية”..!.

وهنا يبرز د. كامل إدريس، لا كمنقذ، بل كـ”صفقة اختبارية”  فإن نجح في ضبط الإيقاع، وتخفيف الاستقطاب وإطلاق حكومة كفاءات مقبولة قد تُفتح نافذة للحوار الوطني الحقيقي.. وإن فشل، فستُضاف تجربته إلى قائمة طويلة من الشخصيات التي استُهلكت في معارك لم تصنعها..!.

وفي الحقيقة  يمثل هذا التعيين لحظة اختبار ليس فقط لقدرة الرجل ولكن لمدى استعداد السلطة الحالية في بورتسودان والمجتمع الدولي  معها  للانتقال من عقلية الحرب إلى أفق التفاوض.. فالسلام ليس مسألة نوايا طيبة، بل ميزان قوى وإرادة إقليمية ودولية وشخصيات يمكنها بناء الثقة.

ويبقى السؤال (الاهم) ..

هل سيكون كامل إدريس جسراً للحل؟ أم جسراً جديداً يعبر عليه العسكر نحو تثبيت سلطة ممددة تحت غطاء “مدني مزيف”؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى