“دروب” تكشف خبايا اللحظات الأخيرة لـ”مجزرة المزروب”

(خاص) 20 أكتوبر 2025 – حصلت “دروب” على تفاصيل دقيقة تكشف ملابسات مقتل قادة الإدارة الأهلية لقبيلة المجانين يوم الجمعة الماضي، حينما قصفت طائرة مسيرة اجتماعاً مشتركاً لهم مع قوة من الدعم السريع، بمنطقة المزروب في شمال كردفان.
جمعت “دروب” شهادات مصادر مطلعة على تفاصيل الحادثة التي هزت مجتمع قبيلة المجانين والسودانيين بشكل عام. ونلخص هذه الشهادات تالياً دون الإشارة إلى أي مصدر، لدواعٍ أمنية.
حوالي الساعة الحادية عشر ونصف من صباح الجمعة 17 أكتوبر، التقى زعيم قبيلة المجانين الأمير سليمان جابر جمعة سهل، برفقة 26 شخصاً من وجهاء القبيلة، مع نحو 30 قائداً بالدعم السريع، وجلسوا تحت ظل أشجار غابة بالقُرب من منطقة المزروب شمال كردفان، لحل مشكلة نزاع نشب بين الطرفين. وبعد أقل من دقيقة على اللقاء غرق المكان بالدماء، وتناثرت الجثث إلى أشلاء.
التنادي لحقن الدماء
جاء وفد قبيلة المجانيين على ظهر ثلاث سيارات لاندكروزر، بعد أن تجمعوا في “الدِكة” وهم خيرة حُكماء الرأي في القبيلة، تنادوا جميعاً لحقن الدماء وتجنيب المنطقة ويلات كارثة بدأت تلوح في الأفق.
وصل وفد قبيلة المجانين تتقدمه عربتان قتاليتان من ارتكاز الدعم السريع في منطقة المزروب، وقد كان لهذا الارتكاز الليلة الماضية الفضل في تجنيب المنطقة شر الخراب، حينما كانت قوة من متحرك عسكري جديد في الديار، على وشك اقتحام “المزروب” إثر معلومة مُضللة بأنها معقل “فلول”.
حينما وصل الوفد الأهلي لمكان الاجتماع الذي حددته قوات الدعم السريع خارج المنطقة وسط غابة من الأشجار، وجدوا في انتظارهم نحو 30 قائداً بـ”الدعم السريع” بينما تقف حراساتهم بعيداً.
وفور وصول الوفد الأهلي طلب منهم قائد القوة أن يبدأوا الاجتماع مباشرة، كانت العجلة ظاهرة عليهم. ليبدأ الأمير بكلمات يدعو فيها الله أن تقف الحرب ويعم السلام والاطمئنان في السودان، وكانت هذه آخر كلماته قبل أن يلقى حتفه.
بعد أقل من دقيقة من البداية سُمع صوت مقذوف ينطلق من الطائرة المسيرة ليصيح فيهم قائد الدعم السريع بأن “فِروا” أي تفرقوا، لكن الصاروخ كان أسرع من أن يتمكنوا من الانتشار وتجنب الخسائر، فسقط من الوفد الأهلي 21 قتيلاً في الحال، وأصيب ثلاثة آخرون أسعفوا إلى المستشفى ونجا ثلاثة. ومن جانب الدعم السريع قُتل نحو 14 بينما شُوهد قائدهم، وقد تمزقت رجله.
أطلقت المسيرة ثلاث قذائف إحداها سقطت على المجتمعين مباشرة واثنين سقطتا على السيارات التي كانت تقف على مقربة من مكان الاجتماع، فدمرت نحو ثلاث عربات.
وبينما كان وجهاء البلد غارقين في دمائهم بين قتيل وجريح، كانت أصوات آذان الجمعة تنطلق من مكبرات صوت مساجد المزروب، فعلم من فيه بقية حياة أن أهلهم غافلون عنهم، ولم يعلموا بعد بما جرى.
بعد نحو 4 ساعات من الضربة بدأ بعض منسوبي الدعم السريع في تجميع قتلاهم، وكان هنالك ثلاثة ناجون من الأهالي بدأوا بدورهم في تفقد الضحايا، قبل أن يسمح لهم قادة الدعم السريع بالذهاب إلى المنطقة وإخبار الناس هناك بما جرى، فتدفق الأهالي راكبين وراجلون، طلائعهم في موقع الحادثة وآخرهم لا يُرى.
قبيل علم أهل المزروب بالحادثة كانت هنالك حالة من الشد والجذب وتبادل الاتهامات بين من نجوا من الطرفين، كل منهما يتهم الآخر بالخيانة، وقد كان أفراد الدعم السريع الأكثر تشدداً لولا أن أنهم انتبهوا إلى أن خسارة أهل المنطقة لا تقارن ولا تعوض بخسائرهم.
أصل المشكلة
في مساء يوم الخميس 16 أكتوبر الجاري، اقتحم مسلحون من قوات الدعم السريع منطقة المزروب، وحاولوا نهب مواطنين كانوا يتجمعون في موقع إنترنت فضائي “ستار لينك”، إلا أن شباباً من أهل المنطقة تبادلوا معهم إطلاق النار، فقُتل اثنين من المسلحين وفرّ ثالث.
وحسب ما تحصلت عليه “دروب” من شهادات شهود عيان ومصادر متطابقة، فإن المسلحين الذين اشتبكوا مع الأهالي يتبعون لمتحرك عسكري ضخم نزل مؤخراً بالقرب من منطقة “المزروب”، حيث جاءت قوة كبيرة منه بعد ساعات من الاشتباك، وكادت أن تقتحم المنطقة بعد أن أبلغها المسلح الذي فرّ بجلده أن بالمنطقة بها “فلول” قتلوا رفاقه. إلا أن “الارتكاز” القديم بالمنطقة منع القوة، وصحح لها المعلومة المغلوطة، ومع ذلك رفضوا الذهاب ما لم يحصلوا على من قتل منسوبيهم وسلاحهم.
جاءهم العُمدة عبدالحفيظ أبو ركوك وآخر، وتعهدوا لهم بحل المشكلة في صباح اليوم التالي. بعدها أجرى القادة الأهليون اتصالات مع قيادات رفيعة بالدعم السريع، وأبلغوهم بالمشكلة طالبين التدخل لنزع فتيل الأزمة. وقد كان لهذه الاتصالات الدور الفعال في تهدئة الأوضاع حيث لمس الأهالي تراجع حِدة خطاب قيادات القوة التي كانت تتأهب لاقتحام المزروب. وذلك من خلال التواصل معهم لتحديد موعد ومكان الاجتماع وحتى لحظة اللقاء القصير الذي انتهى بفاجعة.