“تقول ما لا تفعل”.. واشنطن ترفع العصا في وجه “الدعم السريع”

(تقرير) 15 نوفمبر 2025 – لوحت الولايات المتحدة الامريكية بـ”العصا الغليظة” في وجه قوات الدعم السريع، في خطوة تؤشر لانتقال الإدارة الأمريكية من مرحلة التحذيرات الدبلوماسية إلى الضغط المباشر، الذي قد يشمل فرض عقوبات محددة على قيادات الدعم السريع، أو تقييد مصادر تمويلها وتسليحها، وفق خبراء تحدثوا لـ”دروب”.
وكان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، صوب لأول مرة انتقادات لاذعة ومباشرة لقوات الدعم السريع، مشدداً على وقف الامدادات التي تحصل عليها.
كما اتهمها بارتكاب جرائم وانتهاكات لحقوق الانسان في الفاشر، قائلاً إن قيادة القوات دائما ما تعلن تجاوبها مع الدعوات الدولية لكنها لاتلتزم بالتنفيذ.
وتأتي تصريحات روبيو، على خلفية تصاعد العنف وانعدام الاستقرار في السودان، خصوصاً بعد الانتهاكات التي شهدتها مدينة الفاشر عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
فرض عقوبات
قالت د. رجاء شوكت، الباحثة والمحللة السياسية، إن التصريح الأخير لوزير الخارجية الأمريكي، يمثل مؤشراً واضحاً على انتقال الإدارة الأمريكية من مرحلة التحذيرات الدبلوماسية إلى الضغط المباشر.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى فرض عقوبات محددة على قيادات الدعم السريع، أو تقييد مصادر تمويلها وتسليحها.
وأضافت في حديثها لـ”دروب” أن مثل هذه الإجراءات تهدف إلى إعادة تشكيل مواقف الأطراف المتنازعة وفرض نوع من التوازن في الساحة السودانية.
ووصفت شوكت الخطوة بأنها أحد أبرز مظاهر ما يُعرف بـ”العصا الأميركية”، مؤكدة أن تأثيرها لن يقتصر على السودان فحسب، بل قد يمتد إلى إعادة ضبط توازنات القوى الإقليمية والدولية.
وأوضحت أن تصنيف قوات الدعم السريع منظومة إرهابية قد يؤدي إلى إرباك تحركات الأطراف الإقليمية الداعمة للنزاع، مما يعيد تشكيل الاستراتيجيات السياسية والعسكرية في المنطقة.
تداعيات محتملة
وحذرت رجاء شوكت، من أن غياب خطوات عملية مصاحبة للخطاب الأمريكي قد يؤدي إلى فقدان التصريح لفعاليته، وجعله مجرد بيان إعلامي لا يترجم إلى واقع ملموس.
وأضافت أن “التصريحات المماثلة قد تدفع أطراف النزاع إلى مزيد من التصلب، وتقليل الالتزام بالهدنة الإنسانية المعلنة، وتجنب تقديم أي ضمانات أو تعهدات للرباعية الدولية أو المجتمع الدولي”.
وأشارت إلى أن هذه المراوحة في المواقف قد تعقد جهود التسوية السياسية وتطيل أمد الأزمة.
وانفتحت “أبواب الجحيم” على قوات الدعم السريع عقب التقارير التي تحدثت عن موجة الانتهاكات التي صاحبت دخولها الى مدينة الفاشر، وسط مطالبات بتصنيف القوات منظومة إرهابية.
وتعد قوات الدعم السريع، التي تقاتل الجيش لنحو ثلاث سنوات، لاعباً رئيسياً في المشهد الأمني والسياسي السوداني منذ سنوات، مع احتفاظها بعلاقات متشابكة إقليمياً ودولياً.
وقد أدت مشاركتها في النزاعات المسلحة داخلياً وخارجياً إلى زيادة حساسيات المجتمع الدولي تجاه أنشطتها ومواردها، ما يجعل أي تصنيف رسمي يحمل انعكاسات واسعة على التمويل والدعم اللوجستي والعمليات العسكرية.
ورقة ضغط مؤجلة
رأى المحلل السياسي و الباحث في شؤون شرق افريقيا، فؤاد عثمان، أن الإدارة الأميركية لا تزال متحفظة بشأن اتخاذ خطوة فعلية لتصنيف الدعم السريع كجماعة ارهابية، لجهة اعتقادها أن نشاط القوات محصور داخل السودان، دون أن يتخذ طابعًا أيديولوجيًا عابرًا للحدود أو يشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح الأميركية في المنطقة.
وأضاف أن “أي تصنيف مسبق قد يعرقل مسارات الوساطة السياسية في السودان، كما حصل مؤخرًا مع حركة “M23” الكونغولية، وبالتالي يبقى الدعم السريع “ورقة ضغط مؤجلة” بانتظار التطورات على الأرض وحسابات السياسة الأميركية”.
وقال عثمان لـ”دروب” إن خطوة وزارة الخزانة الأميركية في الشهور الماضية بفرض عقوبات على وزير المالية السوداني وكتيبة البراء بن مالك، مثلت تحولًا استراتيجيًا في مقاربة واشنطن تجاه الأزمة السودانية.
وأضاف عثمان أن العقوبات، التي شملت تجميد الأصول وحظر التعامل المالي مع المعنيين، توضح أن واشنطن اختارت في البداية استهداف التيار الإسلامي المتحالف مع الجيش، بينما أجلت قرارات الكونغرس المتعلقة بتصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية.
عُقد متشابكة
وقال عثمان إن المبادرات الدولية والإقليمية لوقف إطلاق النار، مثل مسار جدة والمبادرات الإفريقية، اصطدمت بغياب الثقة بين الأطراف، وبتغلغل الإسلاميين في الجيش، وتورط الدعم السريع في شبكات إقليمية، ما يمثل عقبة حقيقية أمام أي تسوية سياسية جادة.
وأكد عثمان أن المشهد السوداني بالنسبة لواشنطن ليس قضية محلية فقط، بل جزء من معادلة إقليمية أوسع. لذلك، فإن استهداف الإسلاميين أولًا يعكس أولوية أميركية لكبح نفوذ إيران عبر بوابة السودان، أكثر من معالجة الأزمة الداخلية في حد ذاتها.
وقال إن الحرب السودانية لم تعد مجرد صراع على السلطة، بل تحولت إلى عقدة تتشابك فيها رهانات الداخل مع تنافسات الإقليم وصراع النفوذ الدولي، ما يجعل الأطراف السودانية جزءًا من لعبة أكبر تحدد مسار الحرب ومستقبل الدولة.
وأشار عثمان إلى أن الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023 تحولت سريعًا إلى صراع شامل اجتاحت الخرطوم وأقاليم واسعة، مشيرًا إلى تقديرات الأمم المتحدة التي تتحدث عن أكثر من 150 ألف قتيل وأكثر من 14 مليون نازح، مما يجعل الأزمة الإنسانية في السودان الأسوأ عالميًا.



