ما وراء غموض موقف الجيش السوداني من الهُدنة؟

(تقرير) 5 نوفمبر 2025 – وسط تصاعد الأزمة الإنسانية في السودان، تزداد الضغوط الدولية على الأطراف المتصارعة للقبول بهدنة إنسانية تتيح إيصال المساعدات وحماية المدنيين. إلا أن الموقف الرسمي للحكومة السودانية والجيش يعكس تردداً واضحاً، حيال الجهود المتسارعة لوقف الحرب.
وبينما يتواجد ممثلين للجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الامريكية واشنطن التي وصلوها الأسبوع الماضي بدعوة من الآلية الرباعية لدراسة مقترح هدنة إنسانية لمدة ثلاثة شهور، لم تعلن الحكومة أي موقف واضح من تلك المساعي.
وانعقد أمس الثلاثاء في الخرطوم اجتماع عاجل لمجلس الأمن والدفاع بشأن ذات القضية إلا أنه انفضّ دون اخبار الرأي العام بموقف قاطع تجاه ما يجري. حيث قال وزير الدفاع الفريق حسن داؤود كبرون، في بيان إن الاجتماع ناقش الموقف السياسي والعسكري والإنساني والاستعداد للعمليات الجارية، كما تطرق للمبادرات المقدمة من بعض الدول والأصدقاء.
وأضاف أن “الاجتماع رحب بالجهود المخلصة التي تدعو لإنهاء معاناة السودانيين، وشكر الولايات الامريكية المتحدة ومستشار الرئيس ترامب، مسعد بوليس، على وجهوده المقدرة، مؤكداً الترحيب بأي جهود تنهي معاناة السودان”.
وتابع “تم تكليف لجنة لتقديم رؤية حكومة السودان حول تسهيل وصول المساعدات ودعم العمل الإنساني واستعادة الأمن والسلام في السودان”.
عقوبات أكثر صرامة
يأتي ذلك وسط تحذيرات محلية وخارجية من أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى فرض عقوبات دولية أكثر صرامة وربما إجراءات أممية رسمية لحماية المدنيين بالسودان.
وفي السياق يقول د. محمد بدر الدين، الأمين العام المكلف لحزب المؤتمر الشعبي، في تصريح لـ”دروب” إن بيان لجنة الأمن والدفاع لم يشر بشكل صريح إلى الهدنة لكنه يحمل وجهين، ولم يحدد وجهة الحكومة تجاه المبادرات المطروحة. مشدداً على أن معاناة المدنيين لا يجب أن تتحوّل إلى ورقة مساومة.
وتوقع بدر الدين أن تكون الخطوة القادمة، في حال تمسك طرفي الصراع بالاستمرار في الحرب، فرض عقوبات أكثر صرامة من أي مرحلة سابقة، قد تصل إلى تفعيل البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة لحماية المدنيين.
من جهته قال مصدر دبلوماسي رفيع إن “الموقف الحكومي من المقترح الخاص بالهدنة لا يميل إلى الرفض القاطع، لكنه يعكس قدراً من التحفظ المرتبط بالواقع الميداني ومتطلبات الأمن الوطني”.
وأوضح المصدر أن اللجنة التي أقرها مجلس الأمن والدفاع تهدف إلى بلورة رؤية واضحة للحكومة تجاه مبادرات التهدئة، وفق شروط انسحاب قوات الدعم السريع من المدن وتسليم الأسلحة الثقيلة.
وأضاف أن “الحكومة تتجه نحو توسيع اللجنة الرباعية عبر إضافة تركيا وقطر لتوسيع قاعدة التشاور الإقليمي والدولي، وأن إعلان حالة الاستنفار يعكس تقديراً من القيادة بأن المرحلة الحالية تتطلب مواصلة ما وصفها بـ”معركة الكرامة”، دون رفض الجهود الدولية، خصوصاً الأمريكية الرامية لتحقيق تسوية سياسية شاملة”.
الحسم الميداني
من جهته، قال الباحث في شؤون شرق أفريقيا فؤاد عثمان إن رفض مجلس الأمن والدفاع السوداني للمقترح الأمريكي للهدنة الإنسانية يشير إلى أن القيادة العسكرية تفضل خيار الحسم الميداني على الدخول في مسار تفاوضي شامل.
وأضاف أن الترحيب الوارد في البيان الرسمي بالجهود الدولية لا يعكس موقفاً عملياً نحو التهدئة، في ظل إعلان التعبئة العامة ومواصلة العمليات العسكرية.
وأوضح عثمان في حديثه لـ”دروب” أن المؤشرات الحالية ترجّح استمرار التصعيد خلال الفترة المقبلة، مع سعي الجيش لتحسين مواقعه الميدانية قبل قبول أي مفاوضات، في تكرار لأنماط شهدتها مراحل تفاوضية سابقة مثل مشاكوس وناكورو مطلع الألفية. وفي المقابل، من المرجح أن تواصل قوات الدعم السريع محاولاتها لتوسيع مناطق سيطرتها، ما قد يؤدي إلى مزيد من التدهور الإنساني.
وأشار الباحث إلى أن الولايات المتحدة، التي تقدّمت بالمقترح عبر مستشارها مسعد بولس، ستتعامل بحذر مع موقف الرفض، لكنها ستواصل جهودها الدبلوماسية بالتنسيق مع شركائها الإقليميين والدوليين، مع التركيز على وقف القتال وتخفيف الكارثة الإنسانية المتفاقمة. وختم عثمان بالتأكيد على أن إنهاء الحرب يتطلب إدراك الطرفين أن الحل العسكري غير ممكن، وأن الهدنة تمثل خطوة ضرورية لاستعادة الاستقرار وتهيئة المناخ لعملية سلام شاملة.
وفي سياق متصل، أشار الصحفي عثمان ميرغني في مقال بصفحته في “فيس بوك” إلى أن الحكومة السودانية ما تزال تتعامل بحذر مع مسار التفاوض والهدنة المطروحة، رغم تأكيدات مصادر أمريكية على الموافقة المبدئية على هدنة مدتها ثلاثة أشهر ودخول مرحلة النقاش حول التفاصيل الفنية وآليات التنفيذ.
وأكد ميرغني أن الحكومة تنكر وجود أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع قوات الدعم السريع، رغم التواصل المستمر عبر قنوات الوساطة الأمريكية، متسائلاً: “من الذي تخشاه الحكومة حتى تخفي حقيقة المفاوضات؟ وما الذي تخسره إن فاوضت بقوة كما تقاتل بقوة؟”
وختم ميرغني بالقول إن استمرار الإنكار لا يخدم مسار السلام، وأن الاعتراف بالجهود السياسية التفاوضية يمثل خطوة ضرورية نحو إنهاء الحرب وتحقيق تسوية تحفظ أمن السودان واستقراره.



