تقارير

استمرار الحرب يرفع نسبة الفقر بالسودان

(تقرير) 11 نوفمبر 2025 – باتت معركة البقاء على قيد الحياة لدى الفقراء في السودان أكثر قسوة من المعارك العسكرية الضارية التي تدور رحاها في مناطق مختلفة من البلاد، وذلك بعدما تفاقمت معاناة الأسر مع تصاعد أسعار السلع الغذائية وتراجع قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية.

وحذر خبراء اقتصاديون في حديث لـ”دروب” من تفاقم حِدة الفقر والجوع في السودان بعد ما اقتربت الحرب من اكمال عامها الثالث وسط مؤشرات لانتقال الصراع إلى مرحلة أكثر عنفاً مما سبق.

وأعلن وزير الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية، معتصم أحمد صالح،  أن نسبة الفقر ارتفعت من 21% قبل الحرب إلى 71% حاليًا، ما يعني أن نحو (23) مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر.

ووعد  الوزير  بخفض نسبة الفقر من خلال إطلاق مشروعات إنتاجية وخلق فرص عمل مستدامة، معتبرًا ذلك خطوة أساسية لإعادة الحياة الاقتصادية للبلاد.

تقليص الانفاق

وحسب استطلاع أجرته “دروب” مع مواطنين في ولاية كسلا بشرق السودان فإن عدد من الأسر اضطرت لتقليص إنفاقها على الغذاء والصحة والتعليم، بينما يعتمد كثيرون على تحويلات المغتربين والمساعدات الإنسانية لتغطية احتياجاتهم الأساسية بعد فقدان مصادر دخلهم.

وأجمع معظم المستطلعين على أن انعدام الاستقرار الاقتصادي وتوقف الإنتاج وتراجع الخدمات جعل الفقر سمة عامة في حياتهم اليومية، مطالبين بتدخل عاجل من الدولة والمجتمع الدولي لتوفير فرص عمل ودعم مباشر للفئات الأشد تضررًا.

المهندس “م.ع”، موظف في قطاع حكومي، يقول لـ”دروب” إنه توقف عن الذهاب إلى مقر العمل يوميا لأن كلفة الترحيل والفطور تتجاوز راتبه بنسبة 200%.

لذلك  أذهب يومين فقط في الأسبوع، وراتبي لا يكفي ثمن الخبز لأسبوع واحد، ووالدي مريض يحتاج علاجًا دائمًا أستعين لتوفيره بأصدقائي في الخارج. أحيانًا يتوقف عن تناول الدواء، فيتألم بشدة”.

وأردف “نأمل أن تتوقف الحرب قبل أن يقضي علينا سوء التغذية والعجز عن العلاج.”

وفي قرى كسلا، يتلقى المسوؤلون الشعبيين يوميا أكثر من ثلاث طلبات مساعدة من المواطنين الذين فقدوا أعمالهم من ديوان الزكاة نتيجة التضخم وانعدام الدخل حسب أحدهم تحدث لـ”دروب”.

بينما تختصر “ع.ع”، سيدة في الثلاثين من عمرها، مأساة آلاف الأسر بقولها: “لم نعد نحلم بالرفاهية، فقط نريد أن نعيش بكرامة ونطعم أطفالنا. أقسم بالله أننا نمضي يومًا كاملاً بلا طعام، وقد رفض مدير الزكاة استلام طلبي للحصول على مشروع إعاشي.”

تقديرات واقعية

الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي، وصف تقديرات ارتفاع معدلات الفقر بأنها واقعية وإن لم تكن دقيقة تمامًا، مؤكدًا أن البيانات الرسمية تصدر عادة عن الجهاز المركزي للإحصاء، إلا أن المعطيات الميدانية تؤكد تصاعد حِدة الفقر نتيجة الحرب.

وأوضح فتحي في تصريح لـ”دروب” أن ما يقارب “10” ملايين نازح ولاجئ يعيشون أوضاعا إنسانية صعبة، وأن النزاع أدى إلى تآكل مصادر الدخل وفقدان الوظائف.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 35% من سكان الخرطوم فقدوا أعمالهم ومصادر رزقهم، إلى جانب التأثيرات الواسعة التي طالت ولايات دارفور، الجزيرة، النيل الأبيض، وكردفان.

وأكد فتحي أن الحرب دمرت البنية الإنتاجية وأعاقت المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما أدى إلى ركود اقتصادي انعكس مباشرة على التنمية، داعيًا الحكومة إلى تبني برامج عاجلة تشمل دعم المشاريع الإنتاجية الصغيرة، التمويل الأصغر، وإعادة تأهيل المشروعات المتضررة لإعادة دمجها في الدورة الاقتصادية.

وأشار الخبير إلى أن التكافل الاجتماعي وتحويلات المغتربين لعبت دورًا محوريًا في تخفيف حِدة الأزمة، لكنها لا تغطي الفجوة الاقتصادية الكبيرة التي يعانيها معظم السودانيين.

سيناريوهات مخيفة

الكاتب الاقتصادي سعد محمد أحمد شكك في الأرقام الرسمية، معتبرًا أن نسبة الفقر قد تجاوزت 80%، نتيجة توقف عجلة الإنتاج وفقدان الناس مصادر رزقهم، معتبراً أن الطبقة الوسطى تلاشت تمامًا، وحتى الأثرياء لم يسلموا من الخسائر.

وأضاف في حديثه لـ”دروب”أن السلطات السودانية تفتقر لأدوات قياس الفقر الدقيقة، وأن واقع البلاد يعكس اتساع دائرة الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة، مع فقدان معظم العاملين في القطاع الخاص لمؤسساتهم، وتأخر رواتب موظفي الخدمة المدنية أو انخفاض قيمتها في ظل التضخم الجامح.

وحذر التقارير الأممية والدولية من تدهور حاد في الأوضاع المعيشية والاقتصادية، حيث أجبرت النزاعات 31% من الأسر الحضرية على النزوح.

وتوقف أكثر من 70% من الأطفال عن الدراسة وتراجع الوصول إلى الخدمات الصحية من 78% إلى 15.5%، فضلا عن انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 29.4% خلال 2023، مع ارتفاع معدل الفقر المدقع إلى 71%.

وفق تقرير البنك الدولي تراجع إنتاج الحبوب الزراعية بنسبة 46%، فيما يحتاج أكثر من 30.4 مليون شخص إلى مساعدات عاجلة، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).

وفي ظل استمرار الحرب، يُحذر الخبراء من أن السودان مقبل على كارثة أشد من الفقر، مع انقطاع مصادر الدخل وتوقف الإنتاج، ما يضع الدولة على حافة الانهيار الكامل في جميع مناحي الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى