تقارير

“أوراق نقدية جديدة”.. نيران الحرب تلتهم عُملة السودان

(تقرير) 7 نوفمبر 2025 – أعتبر خبراء اقتصاديون أن إصدار بنك السودان المركزي فئة نقدية جديدة لا يُعد مخرجاً من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وإنما “إقراراً بانهيار العملة واستسلاماً أمام التضخم المتصاعد” وفق ما أفادوا به “دروب”.

وكان بنك السودان المركزي قد أعلن عن طرح أوراق نقدية جديدة من فئتي الألفي جنيه والخمسمائة جنيه (الطبعة الثانية)، في وقت يعيش فيه الاقتصاد السوداني واحدة من أعمق أزماته منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، مع تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه مقابل الدولار الذي تجاوز الـ350 ألف جنيه مقابل دولار واحد.

ورأى خبراء اقتصاديون أن خطوة البنك المركزي تمثل اعترافاً ضمنياً بالأزمة المالية أكثر من كونها حلاً عملياً لها، وسط مخاوف من أن يؤدي ضخ فئات جديدة إلى زيادة الكتلة النقدية في السوق، ما يعني مزيداً من الضغوط على الأسعار وتراجعاً إضافياً في القوة الشرائية للمواطنين.

تعميق الاختلال النقدي

قال الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي، لـ”دروب” إن إصدار فئة نقدية جديدة لا يُعد مخرجاً من الأزمة، بل “إقراراً بانهيار العملة واستسلاماً أمام التضخم”.

وحذّر من أن ضخ فئات جديدة دون سحب القديمة سيعمّق الاختلال النقدي ويرفع معدلات التضخم، مشيراً إلى أن تراجع الإنتاج والصادرات وتوقف المصانع والمشروعات الزراعية بسبب الحرب ساهم في فقدان الجنيه لقيمته بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة.

وأضاف فتحي أن “الدول التي تواجه تضخماً مفرطاً تفقد فيها العملة المحلية جاذبيتها، ما يدفع الأفراد إلى التحوّل نحو الذهب والعقارات والعملات الأجنبية كملاذات آمنة، وهو ما يفاقم ضعف الثقة في الجنيه”.

وأكد أن الحلول الحقيقية تكمن في إصلاحات هيكلية تعيد الثقة إلى القطاعين المالي والإنتاجي، معتبراً أن التوسع في أنظمة الدفع الإلكتروني يمثل أحد الأدوات الفعّالة لتقليل الاعتماد على النقد الورقي وكبح التضخم.

وأشار فتحي إلى أن هذا التوجه يتطلب تطوير البنية التحتية التقنية وتعزيز الوعي المالي، إضافة إلى نشر خدمات الدفع الإلكتروني في مؤسسات الدولة وقطاعات التجارة والبنوك لضبط حركة الأموال ورفع كفاءة المعاملات المالية.

وختم فتحي بالقول إن أي إصلاح اقتصادي لن ينجح دون استقرار سياسي وأمني يعيد الثقة للمستثمرين ويتيح عودة الإنتاج، مضيفاً أن إصدار فئات جديدة يجب أن يُنظر إليه كـ«جرس إنذار للأزمة، لا كحلٍّ لها».

حذف ثلاثة أصفار

من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي د. محمد الناير، إلى أن الإصلاح الكامل لن يتحقق إلا باستبدال جميع الفئات المتداولة وإصدار عملة جديدة بعد حذف ثلاثة أصفار من الجنيه.

وقال الناير لـ”دروب” إن حذف الأصفار من العملة لن يكون له تأثير سلبي مباشر على الاقتصاد، موضحاً أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم اعتياد المواطنين على النطق أو التعامل بالقيمة الجديدة. وأضاف أن “التجربة التركية، التي حذفت فيها أنقرة ستة أصفار من عملتها، أثبتت أن الإجراء في حد ذاته لا يسبب ضرراً اقتصادياً”.

وأشار إلى ضرورة فرض هذه الخطوة حالياً، حيث  اختفت الفئات الصغيرة مثل (5) و(10) جنيهات من التداول، بعدما فقدت قوتها الشرائية وأصبحت بلا قيمة فعلية.

وقال: “لا يُعقل أن تكون أدنى فئة متداولة في السوق هي 200 جنيه، لذلك من المهم دراسة إمكانية حذف ثلاثة أصفار من العملة ليصبح الألف  جنيه، جنيهاً واحداً”.

وأوضح الناير أن هذه الخطوة يمكن أن تُسهم في تقليل تكاليف طباعة النقود، وتعيد الاعتبار للجنيه كوحدة أساسية للتعامل النقدي، كما تسهل الانتقال إلى التعاملات الإلكترونية. وتابع “صحيح أن حذف الأصفار لا يعالج ضعف العملة المحلية، لكنه يساهم في معالجة قضايا فنية وإدارية مهمة في النظام النقدي”.

وأوضح الناير أن الفئات الجديدة التي أعلن عنها البنك المركزي كانت مطبوعة وجاهزة مسبقاً، وأن القرار يحمل بعض الإيجابيات، خاصة في تعزيز التعاملات الإلكترونية بعد إدخال فئة الألف جنيه التي ساعدت في تحريك القطاع المصرفي.

وأضاف أن أحد أبرز التحديات قبل الحرب تمثل في بقاء أكثر من 90% من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، وهو ما أضعف قدرات البنوك على تمويل النشاط الإنتاجي، وجعل المواطنين عرضة لخسائر كبيرة عقب النهب الواسع الذي تعرضت له منازلهم خلال الحرب.

ودعا الناير إلى إدارة عملية ضخ النقود الجديدة بحسابات دقيقة لتفادي آثار تضخمية جديدة، مشدداً على أهمية توسيع ثقافة التعامل الإلكتروني وتطوير شبكات الاتصالات والتطبيقات المصرفية.

وقال إن الخطوة “إيجابية لكنها غير مكتملة”، داعياً البنك المركزي إلى استكمال مسار إعادة هيكلة الفئات النقدية كمدخل لتحقيق استقرار نقدي وسعري مستدام خلال المرحلة المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى