خبراء يحذرون من طرح خيارات تقسيم السودان

دروب 21 ديسمبر 2025 – حذر خبراء من طرح خيارات تقسيم السودان ضمن جهود وقف الحرب، موضحين أن التقسيم سيقود إلى تجارب حُكم فاشلة تسيطر فيها نخب محددة تمارس اللصوصية وتدمر المشروعات الوطنية، وستؤدي في النهاية إلى انهيار كامل للدولة.
يأتي ذلك وسط تزايد المخاوف في المشهد العام من وجود نوايا لمقايضة السلام والاستقرار بالانفصال، ضمن تسوية للحرب الدائرة لما يقارب ثلاث سنوات في السودان.
وفي ظل تصاعد وتيرة التحركات والإجراءات الرامية إلى تفتيت السودان، تنخفض الأصوات الداعمة للوحدة الوطنية، وهو ما اعتبره مشاركين في جلسة حوارية نظمها المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، تقصير من القوى السياسية والمدنية في السودان، التي قالوا إنها منشغلة بمصالحها الخاصة، في الوقت الذي يطارد فيه شبح التقسيم البلاد.
وتناولت الجلسة الحوارية للمجلس الأفريقي لدراسات العدالة والسلام التي جرت في العاصمة الأوغندية كمبالا يوم السبت ورصدتها “دروب”، “السلام الدائم بين خياري الوحدة والتقسيم”. وتطرقت إلى عدة محاور بينها جذور التفكك وبنية الدولة، والسلاح، الدولة، واحتكار العنف، بجانب اقتصاد الحرب، والعامل الإقليمي والدولي، والوحدة، اللامركزية، وبدائل الدولة، والمنصة السياسية والعدالة، وهي الجلسة الحوارية العاشرة التي نظمها المركز الأفريقي في مشروع “أصوات السلام” قبل ختامه.
انهيار الدولة
وقال عضو مجلس إدارة المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة، والمدير التنفيذي للمرصد السوداني للشفافية والدراسات، الدكتور سليمان بلدو، إن أي انفصال قادم سيؤدي إلى انهيار كامل للدولة، وينتج عنه دولتين فاشلتين تتحكم فيها نخب محددة على حساب المواطنين، وتمارس فيها لصوصية الحكام، وتدمر المشروعات الوطنية، مثلما حدث في تجربة استقلال جنوب السودان.
وأوضح خلال كلمة بالجلسة الحوارية للمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، أن تحالف السودان التأسيسي لا يطرح أي مطالب انفصال، لكنه يتبنى مفستو الحركة الشعبية – شمال، قيادة عبد العزيز الحلو، الذي يطرح علمانية الدولة وحرية الدين والمعتقد في كل ربوع البلاد، وهو مشروع يعارضه الجيش وحلفاؤه خاصة الحركة الإسلامية، مما دفعه إلى وضع شروط تعجيزية للتفاوض، مثل انسحاب قوات الدعم السريع من جميع مناطق سيطرتها والتجمع في معسكرات وهي شروط طرف منتصر.
وشدد أن حكومة تأسيس تكتسب شرعيتها من مدى قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية وحماية المواطنين، وهو أمر يتطلب موارد لا تتوفر لها، فالدعم السريع كمليشيا يعتمد في موارده على النهب والجبايات في الطرق وغيرها، وهذا يوفر ثراء للقادة العسكريين، ولا تستفيد منه الحكومة، لافتاً إلى أنه حال مضت حكومة تأسيس في طريق عمل ميزانية للدولة وعمل نقاط ضرائب وجمارك، تكون قد مضت فعلياً في طريق الانفصال، حتى إن لم يكن ضمن خيارات التحالف.
وأشار إلى أن الدول الحليفة لقوات الدعم السريع في المحيط الأفريقي لن تمضي في طريق الاعتراف الدبلوماسي بحكومة تأسيس، لكنها ستفتح لها نوافذ صادرات لمنتجاتها، بما يساعدها على الحصول على الموارد.
ورأى أنه لا يمكن الوصول إلى سودان مستقر، في ظل انتشار السلاح، وإعادة هيكلة الجيش، لافتاً إلى أنه لا يرى أي بوادر لتحقيق السلام والاستقرار في الوقت الراهن، بينما تمضي الرباعية والولايات المتحدة الأمريكية في اتجاه الوصول إلى هدنة إنسانية، وهو هدف تشدد عليه واشنطن، وقد تلوي ذراع حلفائها الإقليميين في سبيل ذلك، لكن ليس لها أي خطة لما بعد الهدنة، وستترك المسار السياسي للقوى السودانية.
شبكات مصالح
وشدد بلدو على وجود شبكات مصالح في بورتسودان، تعمل في الدقيق والوقود، تعرقل وقف الحرب، وهي شبكات متوارثة من حكم الرئيس السابق عمر البشير، لافتاً إلى أن التقاطعات الدولية والإقليمية الداعمة للأطراف تعيق كذلك جهود وقف القتال، حيث تردد قيام السعودية بتمويل صفقة سلاح من باكستان لصالح الجيش السوداني، مما يعكس تبديل موقفها بالانحياز الصريح للجيش.
من جهته، قال شوقي يعقوب آدم، من المركز الأفريقي لدراسات العدالة السلام، إن الصراع على الموارد بين القوى الإقليمية والمحلية قاد إلى اندلاع الحرب في السودان، حيث بدأت المؤشرات ذلك بمحاولة الإمارات تأسيس ميناء على سواحل البحر الأحمر في بورتسودان، وبعدها تدخل الروس في قطاع الذهب في البلاد.
وشدد أنه بعد الحرب نشأت مجموعات طفيلية لها مصالح في استمرار الحرب وعدم إيقافها، فبعضها يتكسب من توريد السلاح والطائرات المسيرة، فما لم يحل الصراع الاقتصادي، لن يتوقف القتال في السودان – حسب تقديره.
ساحة حرب
وقال الصحفي خالد أحمد إن الأطراف الإقليمية قد تمضي في اتجاه التدخل المباشر في حرب السودان، خاصة بعد التصريحات المصرية الأخيرة التي لوحت فيها بالتدخل ضمن اتفاقية الدفاع المشترك، حال تم تجاوز ما وصفته بالخطوط الحمراء، وهو مؤشر خطير قد يجعل البلاد ساحة لمواجهة في ظل ما أسماه سياسة البلطجة التي تقوده الدول الكبرى، لا سيما إدارة الرئيس دونالد ترمب في الولايات المتحدة.
وشدد على صعوبة تحقيق وقف إطلاق النار في ظل انتشار السلاح، والمليشيات حيث يسعى الجيش تاريخياً إلى تسليح المجموعات القبلية، لتعويض عجز المشاة، فهذه المليشيات ستعصف بأي جهود لوقف إطلاق النار.
وفي السياق، قال مرتضى محمد وهو أحد المشاركين في الجلسة الحوارية للمركز الإفريقي، إن جميع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التي يقودها الجيش في مدينة بورتسودان هي تدابير انفصالية، وتقود إلى انفصال البلاد، لافتاً إلى أنه رغم مخاطر هذه التحركات وشبح الانفصال القادم، إلا أن القوى السياسية منشغلة بمصالحها، ولم تُبرز الأصوات الداعمة للوحدة والمناهضة للانفصال.



