ما طبيعة الدور المصري في السودان بعد بيان الخطوط الحمراء؟

(تقرير) 20 ديسمبر 2025 – أثار البيان الصادر عن الرئاسة المصرية عقب زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة في 18 ديسمبر 2025 نقاشًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية السودانية، حول طبيعة الدور المصري المتنامي في الأزمة السودانية، وحدود تداخله مع اعتبارات السيادة الوطنية، في ظل حرب ممتدة وتحوّلات إقليمية ودولية متسارعة.
ويعكس البيان، وفق قراءات متعددة، انتقال القاهرة من موقع التحفّظ والمراقبة الحذرة إلى مقاربة أكثر وضوحًا وحضورًا في الملف السوداني، مدفوعة بمخاوف أمنية مباشرة، وبسياق إقليمي يشهد إعادة ترتيب للأدوار وتكثيفًا للمبادرات الدولية الهادفة إلى احتواء الصراع.
“خطوط حمراء” ودلالات أمنية
أكثر ما لفت الانتباه في البيان المصري هو الحديث الصريح عن «خطوط حمراء» تربط الأمن القومي المصري بالأوضاع في السودان، وتشمل التأكيد على وحدة الدولة السودانية، ورفض أي مسارات قد تقود إلى التفكك أو قيام كيانات موازية، إلى جانب التشديد على حماية مؤسسات الدولة.
ويذهب محللون إلى أن هذه الإشارات تنطوي على أبعاد أمنية وسياسية متداخلة، لا سيما مع التلويح باتفاقية الدفاع المشترك الموقّعة بين البلدين عام 1976، وما تحمله من دلالات حول استعداد القاهرة لاتخاذ «التدابير اللازمة» في حال تجاوز تلك الخطوط. ويثير ذلك تساؤلات حول طبيعة هذه التدابير وحدودها القانونية والسياسية.
في هذا السياق، يرى د. محمد بدر الدين، الأمين العام المكلّف للمؤتمر الشعبي، أن القاهرة باتت تستشعر بصورة متزايدة خطورة استمرار الحرب في السودان وانعكاساتها المباشرة على أمنها القومي، خاصة مع تصاعد مؤشرات تدويل الأزمة وظهور مسارات دولية جديدة لمعالجتها، من بينها تحركات مجموعة الرباعية، وما يُتداول بشأن مقاربات محتملة للإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب تجاه الملف السوداني.
ويشير بدر الدين، في حديثه لـ«دروب»، إلى أن هذا الإدراك دفع مصر إلى توجيه رسالة سياسية واضحة لطرفي الصراع مفادها أنها لن تظل في موقع الصمت أو الاكتفاء بالمراقبة، في ظل ما قد تفضي إليه الحرب من تهديدات للأمن الاستراتيجي المصري ولمصالحه السياسية والاقتصادية المرتبطة بالسودان.
ويضيف أن القاهرة تبدو بصدد إعادة صياغة منهجها في إدارة العلاقة مع السودان، سواء على مستوى الدولة أو مع السلطة القائمة، عبر مراجعة مواقفها بما يتلاءم مع تطورات المشهد الداخلي والتحولات في البيئة الدولية، وبما ينسجم مع المسارات المطروحة، وعلى رأسها خريطة الطريق التي تعمل عليها مجموعة الرباعية، في إشارة إلى انتقال مصر من سياسة التحفّظ إلى دور أكثر فاعلية في مقاربة الأزمة.
قراءات متباينة للدور الإقليمي
من جانبه، يرى المحلل السياسي والباحث في شؤون شرق أفريقيا فؤاد عثمان أن البيان المصري يعكس قراءة متقدمة لمآلات الصراع في السودان، في ظل تنامي المخاوف من تداعيات الحرب على استقرار الدولة السودانية وعلى الإقليم ككل. ويلاحظ أن القاهرة تسعى، عبر هذا الخطاب، إلى الانتقال من إدارة التوازنات عن بُعد إلى محاولة التأثير المباشر في مسار الأزمة.
ويشير عثمان، في حديثه لـ«دروب»، إلى أن البيان يحتمل أكثر من تفسير؛ إذ يمكن فهمه كجهد للحد من احتمالات تفكك الدولة واحتواء اتساع رقعة الصراع، كما يمكن قراءته ضمن سياق إقليمي أوسع يسعى إلى إعادة ضبط المشهد السوداني في ظل غياب توافق وطني جامع، ما يفتح نقاشًا مشروعًا حول حدود الأدوار الإقليمية وحساسيات السيادة الوطنية.
ويضيف أن الحديث عن «الخطوط الحمراء» يعكس مقاربة أمنية–سياسية تهدف إلى منع الانزلاق نحو سيناريوهات الفوضى الشاملة، لكنها تظل مثقلة بتساؤلات جوهرية تتعلق بطبيعة هذه الخطوط، والجهة التي تحددها، وآليات إدارتها في ظل تعدد الفاعلين المحليين.
ويرجّح عثمان أن تتعامل القوى المدنية الرافضة لاستمرار الحرب مع البيان المصري بقدر من التحفّظ، مع التأكيد على أن أي دور إقليمي فاعل يظل مرهونًا بدعمه الصريح لوقف القتال وتهيئة مسار سياسي مدني شامل، يستند إلى الإرادة السودانية، ويتجنب الانحياز أو إعادة إنتاج الأزمة عبر مقاربات خارجية لا تعالج جذورها.
من جهتها، ترى د. رجاء شوكت، الباحثة السابقة بمركز الدراسات الإفريقية بجامعة إفريقيا العالمية، أن الخطاب الوارد في البيان لا يبدو موجّهًا بالأساس إلى الداخل السوداني أو لإدارة الأزمة الراهنة بشكل مباشر.
وتشير شوكت، في حديثها لـ«دروب»، إلى أن الحرب تقترب من إكمال عامها الثالث دون أن تصدر مواقف رسمية بهذه اللغة التي تميل إلى الحزم والمواجهة، ما يعزّز فرضية أن البيان يتجاوز السياق السوداني المباشر.
وترجح شوكت أن تكون الرسائل الأساسية موجهة إلى أطراف إقليمية بعينها، في ظل ما تصفه بتصاعد تهديدات إقليمية باتت تمس الأمن القومي لكل من السودان ومصر معًا، وتفرض إعادة تموضع في الخطاب والمواقف السياسية.
وفي قراءة مختلفة، يرى الكاتب الصحفي أشرف عبد العزيز أن الموقف المصري من الأزمة السودانية يقوم على «واقعية سياسية صلبة»، موضحًا في مقال صحفي أن القاهرة تدعم عبد الفتاح البرهان لضمان وحدة الدولة وتماسك الجيش باعتبارهما ركيزة للأمن القومي المصري، لكنها في الوقت ذاته تربط هذا الدعم بمسار التسوية الدولية الذي تقوده واشنطن وتدعمه الرباعية، بما يرجّح الحل السياسي الشامل ويحدّ من عودة الأيديولوجيات المتطرفة، مع تأكيد رفض أي سيناريوهات للتقسيم أو الحكومات الموازية.



