أصدقاء دروبتقارير

250 ألف مقعد جامعي بلا طلاب.. كيف أثرت الحرب على التعليم العالي بالسودان؟

كتبت: تماضر بكرى عبدالله

في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد نتيجة الحرب والنزوح والانهيار المؤسسي، جاءت نتائج التقديم لمؤسسات التعليم العالي للعام 2025 لتكشف عن واقع مقلق يتطلب تدخلًا عاجلًا وقرارات جريئة تعيد الثقة في النظام التعليمي وتضمن استدامته. فالتعليم، في مثل هذه اللحظات الحرجة، لا يُعد ترفًا إداريًا، بل هو خط دفاع وطني لحماية مستقبل الأجيال…. ولكن….

أرقام تكشف عمق الأزمة

بحسب البيانات الرسمية، بلغ عدد الطلاب المسجلين لامتحانات الشهادة السودانية هذا العام 337,484 طالبًا، جلس منهم فعليًا نحو 226,730 فقط، بنسبة لا تتجاوز 67.2% من المسجلين. من بين هؤلاء، نجح 149,142 طالبًا، بنسبة نجاح عامة بلغت 66%. أما الطلاب المستهدفون بالتقديم للجامعات، فهم نحو 52% من الناجحين، أي حوالي 77,549 طالبًا.

ورغم الظروف القاسية، تقدم فعليًا 88,942 طالبًا، بنسبة 114.7% من العدد المستهدف، ما يعكس رغبة قوية لدى الطلاب في مواصلة التعليم. لكن المفارقة الكبرى تكمن في أن نسبة التقديم مقارنة بالسعة الكلية المخططة لمؤسسات التعليم العالي (340,000 مقعد) لم تتجاوز 26%، ما يعني أن أكثر من 250 ألف مقعد جامعي ستظل شاغرة بعد التقديم للدور الأول.

دلالات تتجاوز الأرقام

هذه الأرقام لا تعكس فقط تراجعًا في نسب التقديم، بل تكشف عن أزمة بنيوية عميقة في التعليم السوداني، تمتد من التعليم العام وحتى التعليم العالي. فالنزوح والانقطاع الدراسي وتدهور البيئة التعليمية، إلى جانب تراجع الدعم الحكومي وصعوبة المعيشة، كلها عوامل ساهمت في هذا الانحدار.

كما تشير المعطيات إلى أن نسبة كبيرة من الطلاب المتفوقين قد اتجهوا نحو الهجرة أو الدراسة بالخارج، ما أدى إلى تراجع الإقبال على الجامعات المحلية، خاصة في التخصصات العلمية والطبية التي كانت تحظى بتنافسية عالية في السابق.

نسب قبول غير مسبوقة

استنادًا إلى النسب التراكمية للناجحين، يرى مراقبون ومهتمون أنه من المتوقع أن تشهد نسب القبول في التخصصات الطبية والهندسية تراجعًا كبيرًا. فكلية الطب، التي كانت تتطلب نسبًا تتراوح بين 91–93%، قد تنخفض إلى حدود 83–85%. أما الهندسة، فقد تهبط إلى 75–78%. وفي تخصصات علوم الحاسوب والعلوم الأساسية، قد تبدأ نسب القبول من 65% وتنخفض حتى 60% في بعض الجامعات الولائية.

أما البرامج الأدبية والعلوم الإنسانية، فمن المرجح أن تتراوح نسب القبول فيها بين 55% إلى 65%، مع احتمال قبول طلاب بنسب أقل في الكليات الولائية. وتشير البيانات إلى أن أكثر من 50% من الطلاب الناجحين حصلوا على نسب دون 75%، ما يضغط على الكليات لاستيعابهم في برامج أقل تنافسية، مثل الزراعة والآداب والاقتصاد، التي قد تشهد دخولًا بنسب تصل إلى 50% أو أقل.

الشهادة السودانية… ما تبقى من روح الوطن

في خضم هذا الانهيار، تظل الشهادة السودانية واحدة من آخر رموز الصمود الوطني، تمثل ما تبقى من روح الوطن في وجدان أبنائه. إنها ليست مجرد وثيقة عبور إلى التعليم العالي، بل هي خلاصة كفاح الأسر، وتعب المعلمين، وصبر الطلاب في مواجهة واقع قاسٍ. الحفاظ على هيبة هذه الشهادة هو حفاظ على ما تبقى من أمل في بلد انهارت فيه المؤسسات، وتفككت فيه البنى التحتية، وتراجعت فيه فرص الحياة الكريمة. إن الشهادة السودانية يجب أن تبقى عنوانًا للجدية والعدالة، لا أن تتحول إلى رقم في معادلة الانهيار.

التعليم في مفترق طرق

ما بين طموح الدولة في استيعاب أكبر عدد من الخريجين، وواقع الحرب والانهيار، تقف منظومة التعليم العالي في السودان أمام مفترق طرق حاسم. إن إنقاذ التعليم لا يمثل ترفًا إداريًا، بل هو ضرورة وطنية لإعادة بناء السودان على أسس المعرفة والعدالة والفرص المتكافئة.

ولا بد أن ندرك أن التعليم ليس مجرد مؤسسات وكتب، بل هو حق وحياة وأمل في وطن يعيد ترتيب أولوياته نحو المستقبل…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى