دارفور.. حين تصير الأرض ذاكرةً تنزف

كتبت / تماضر بكرى
في قلب السودان، حيث الرمال تهمس بأسرار التاريخ، تقف دارفور كجسدٍ أنهكته الحروب، وكروحٍ لم تفقد بعد شغفها بالحياة. ليست دارفور مجرد إقليم، بل هي مرآةٌ تعكس صراع الهوية، وتاريخًا من التهميش، ومقاومةً لا تنكسر.
الفاشر، نيالا، الجنينة… مدنٌ لم تعد تُذكر إلا مقرونةً بالدم، وكأنها خُلقت لتكون مسرحًا للخراب. لكن خلف كل صورةٍ دامية، هناك أمٌّ تنتظر، وطفلٌ يحلم، وشابٌ يكتب على جدران الخراب: “نحن هنا، رغم كل شيء”.
الانتصارات التي تُعلن في نشرات الأخبار، لا تُقاس بعدد المواقع التي سقطت، بل بعدد الأرواح التي لم تُكسر. فكل “انتصار” في دارفور، يُنتزع من بين الجماجم، ويُكتب بمداد التعب، لا الفخر.
ومع كل جولةٍ من القتال، يُطرح السؤال ذاته: ثم ماذا؟
هل هو تسليمٌ بالأمر الواقع؟ أم بدايةٌ لانفصالٍ لم يُعلن بعد؟
دارفور اليوم ليست منفصلة قانونًا، لكنها تعيش انفصالًا وجدانيًا، سياسيًا، وحتى إنسانيًا. فحين تُدار شؤونها من خارج الخرطوم، وحين تُفرض عليها حكومات موازية، وحين يُترك أهلها لمصيرهم، يصبح السؤال عن الانفصال مجرد تفصيل.
لكن دارفور، رغم كل شيء، لا تزال تقاوم. تقاوم النسيان، والتهميش، والتفكك. تقاوم لتبقى جزءًا من وطنٍ لم يمنحها ما تستحق، لكنها لا تزال تؤمن به.



