عنصرية واستغلال.. سودانيون يواجهون “الجحيم” في ليبيا

دروب 19 أبريل 2025 – في ليلة مظلمة، والغبار الكثيف يغطي المكان الذي تحيط به الكثبان الرملية، كانت “م.ح” رفقة أطفالها الصغار إلى جانب عائلات أخرى، في قلب الصحراء بينما كانوا في طريقهم إلى ليبيا هربًا من المعارك التي تدور في السودان منذ نحو عامين.
قالت “م.ح”، (30 عامًا) لـ”دروب” إن أناس تعرفهم نصحوها بأن تذهب إلى ليبيا، رغم أنها كانت تدرك في قرارة نفسها أن الطريق محفوفة بالمخاطر، ليس خوفاً من الجوع أو العطش، بل من فقدان أطفالها.
مع ذلك تمكنت من الوصول إلى ليبيا، لكنها وجدت واقعًا أشد قسوة مما تخيلت، العنصرية والاستغلال كانا جزءًا من يومياتها، وأردفت: “أقول لأي زول يفكر في السفر، لا تأتي إلى ليبيا”.
هذه القصة ليست استثناءً، فهي تعكس معاناة آلاف السودانيين الذين أجبرتهم ثنائية الحرب والفقر على سلك هذا الطريق المحفوف بالمخاطر بين الصحراء القاحلة وقطاع واسع من شعب البلد المضيف التي تزداد عداءً للمهاجرين، يجدون أنفسهم في مواجهة تحديات لا تقل قسوة عن التي هربوا منها.
عنصرية واضطهاد
قال عدد من السودانيين الفارين إلى ليبيا، لـ”دروب” إنهم بعد وصولهم واجهوا تحديات عدة، أبرزها التمييز العنصري الذي يضعهم في أسفل الهرم الاجتماعي، حيث يُنظر إليهم غالبًا بازدراء، ويُستغلون في أعمال شاقة مقابل أجور زهيدة أو حتى دون أجر، كما هو حال “م.أ”، وهو فني سيارات، يقول إنه صُدم من معاملة الليبيين، إذ عمل صديقه لشهور دون أن يحصل على مستحقاته، وعندما طالب بها، تم طرده بعد شتمه.
أما النساء فإن الكثير منهن يعانين من “استغلال مضاعف” سواء في سوق العمل أو عند البحث عن السكن، كما قالت إحدى النساء طلبت عدم الكشف عن هويتها.
وأضافت أن فرص العمل للنساء نادرة، وغالبًا ما تكون في التدريس أو في مهن مثل نقش الحنة “الحنانة” لكن بعضهن يواجهن استبعادا أو استغلالًا في ظروف عمل قاسية.
حملات الكشة
بالتزامن مع تصاعد الخطاب المناهض للمهاجرين الأفارقة، شنت السلطات الليبية مارس الماضي حملات تستهدف المهاجرين غير النظاميين، إذ يتعرض المهاجرون للاعتقال التعسفي والاحتجاز في ظروف غير إنسانية.

وذكرت تقارير حقوقية للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب(OMCT) بالتعاون مع شبكة مكافحة التعذيب الليبية و(UNHCR) تكشف عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان يواجهها السودانيين المهجرين قسرياً، بما في ذلك الحملات التي اتسمت بالعنف الشديد، حيث يُداهم المهاجرون في أماكن سكنهم، ويُزجّ بهم في مراكز احتجاز تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، إضافة إلى ذلك، يُبتز بعض المهاجرين من قبل ميليشيات محلية، حيث يُطلب منهم دفع أموال مقابل الإفراج عنهم أو السماح لهم بمواصلة رحلتهم.
يحكي “م.إ” في حديثه لـ”دروب” أنه كان يشعر بخوف شديد أثناء تنقله من الكفرة إلى أجدابيا بسبب السرعة الكبيرة والازدحام في السيارات، لكنه أدرك لاحقًا أن الخطر الحقيقي كان في الاحتجاز أو التعرض للسرقة أو حتى القتل في ظل الظروف الأمنية السائلة.
وأظهرت إحصائيات حديثة أن أعداد اللاجئين السودانيين في ليبيا ارتفعت بشكل كبير منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023، حيث تقدر بين 240,000 و700,000 لاجئ.، أغلبهم في مدينة الكفرة إلى الجنوب الشرقي إذ تحتضن نحو 400,000 لاجئ، بينما تشير بعض التقديرات إلى أن العدد قد يكون ضعف ذلك، كما أن العاصمة طرابلس تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين السودانيين الذين يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، ويبحث الكثير منهم عن فرص للتسجيل كلاجئين.
في هذا السياق، يُواجه هؤلاء اللاجئون تحديات مستمرة في الحصول على المساعدات الإنسانية الأساسية، مما يزيد من معاناتهم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشون فيها.
موقف السلطات
تؤكد السلطات الليبية أن حملات الاعتقال تستهدف المهاجرين غير القانونيين بشكل عام، ولا تميز بين الجنسيات، وتعتبر أن ترحيل المهاجرين غير القانونيين يمثل حقًا شرعيًا لها ومن صميم واجباتها، كما أعربت عن رفضها القاطع لأي محاولات لتوطين المهاجرين في ليبيا تحت أي ذريعة، معتبرة ذلك انتهاكًا للسيادة الوطنية وخطرًا ديمغرافيًا يهدد الأمن القومي.
من جانبها، أعربت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن قلقها العميق إزاء تصاعد المعلومات المضللة التي تؤجج التوترات وتحرض على خطاب الكراهية ضد اللاجئين والمهاجرين. وأكدت البعثة أن دعمها للسلطات الليبية في إدارة ملف الهجرة يتماشى مع الأولويات الوطنية للبلاد، مشددة على أهمية الحفاظ على سيادة ليبيا.
ودعت الأمم المتحدة جميع الأطراف إلى الامتناع عن تداول المعلومات المضللة، وضمان أن يكون الخطاب العام قائمًا على الحقائق، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان. وتشهد منصات التواصل الاجتماعي في ليبيا تفاعلًا واسعًا حول قضية الهجرة، حيث تتباين الآراء بين من يطالب بتنظيم وجود المهاجرين وفق احتياجات سوق العمل المحلية، ومن يعبر عن مخاوف من التأثيرات المحتملة على التركيبة السكانية والأمنية في البلاد. وأصدر المجلس الأعلى للدولة في طرابلس بيانًا أكد فيه رفضه القاطع لأي محاولات لتوطين المهاجرين في ليبيا تحت أي ذريعة، معتبرًا ذلك انتهاكًا للسيادة الوطنية وخطرًا ديمغرافيًا يهدد الأمن القومي.
بالرغم من المحاولات المستمرة من السلطات الليبية لتسليط الضوء على معاناة المهاجرين غير النظاميين، يرى مراقبون أن التحدي الأكبر يكمن في تحسين أوضاع هؤلاء المهاجرين في جوانب حياتهم، كما أن الحلول يجب أن تأتي من تكاتف المجتمع الدولي مع السلطات الليبية لتحسين التشريعات المتعلقة بالهجرة، وتنظيم حملات توعية شاملة ضد الخطابات العنصرية والمضللة التي تؤجج التوترات، وعلى المجتمع الدولي العمل على ضمان الحقوق الإنسانية للمهاجرين، وتعزيز التعاون بين الجهات المعنية لمكافحة شبكات الاتجار بالبشر.