المأزق الاخلاقي الماحق فى حروب السودان

هذا عنوان لمشروع مقال طويل أو كتاب حتى لمناقشة نظريات الاخلاق و بالتحديد تصورات المدرستين الجوهريتين فى فلسفة الاخلاق وتوظيفهما لفهم و تفكيك مواقف الفاعلين السياسيين من حرب ١٥ أبريل او على الاقل فهم مواقف الذين يحاولون عقلنة مواقفهم و تصويرها على انها تخضع لمبدا التفكير العقلاني، اي العلاقة بين الفعل و النتيجة.
هناك مدرسة الدينتولجيكال Deontological Approach و هي مدرسة تقول ان اي موقف سياسي او خلافه يجب أن يقاس وفق مباديء بعينها سابقة لحدوث الاشياء فى ذاتها، اما المدرسة الاخري تيليولوجيكال Teleological Approach وهي مدرسة تقول ان الاشياء يجب أن تقاس بنتائجها و ليس وفق مبدا قائم اصلا قبل حدوث الاشياء فى ذاتها او وفق سياقها.
جل الجدل الذي يدور بين الفاعلين الاجتماعيبن و السياسيين فى بلادنا المنكوبة هو محاولة كل طرف اعطاء قدر من التفوق ألاخلاقي او الطهرانية لمواقف سياسية فى الاساس و لتبريرها و الباسها لبوس انها تتفوق اخلاقيا على غيرها من المواقف و هذا يفسر موقف اصحاب نظرية الدفاع عن الدولة من داعمي القوات المسلحة و فرضية ان الحرب عدوان اجنبي و ما يجب أن يتم وفق هذه الفرضية و الي حد ما يفسر موقف داعمي الدعم السريع بانه يدافع عن كيانات اجتماعية و انه يعمل على اعادة بناء الدولة السودانية وفق أسس جديدة و عليه تشكيل الحكومة وفق هذه الاسس ضرورة أخلاقية. من المهم تثبيت حقيقة ان هذه السرديات تنطلق من مفهوم لاتاريخي، اي انها تفترض انه لا وجود للماضي و ان تاريخ السودان بدا فى ١٥ أبريل.
و بغض النظر عن صحة هذه السرديات، و انا هنا لست بصدد تقرير صحة اي سردية و كيف بدأت الحرب و من أطلق الرصاصة الاولي، بل انا بصدد تقرير الحقيقة الموضوعية الشاخصة أمام الجميع أن لا خير في هذه الحرب و ان ضررها سيكون على الجميع بغض النظر عن أي سردية يتبنون او يتبعون او يدعمون، و الأهم فى تقديري انه لم يعد هناك موقف أخلاقي نظيف فى هذا الخراب الوطني العظيم الا فى تصورات اصحاب هذه السرديات الصمدية، و ربما الكل اياديه ملوثة بشكل او بآخر، فهل لنا ان نوقف هذا النزيف اولا ثم نواصل الجدل فى ما اذا كان مواقف بعضنا صواب ام خطأ اخلاقيا.