الجوع في السودان.. وفاة ثلاث شقيقات أَكَلْنَ من النفايات

دروب – 22 فبراير 2025 خرجت سعدية من خيمتها في معسكر لقاوة في ولاية شرق دارفور غربي السودان، للبحث عن طعام لصغارها الذين يحاصرهم الجوع، وعندما عادت وجدت طفلاتها الثلاث فارقن الحياة، بسبب تسمم ناتج عن تناولهن بقايا غذاء من مكب النفايات.
لم تحتمل الطفلات لحظات انتظار عودة والدتهن إلى الخيمة، ومن فرط جوعهن ذهبن إلى مكب نفايات بمحيط المدينة، وأخذن يلتقطن بقايا الطعام، وإلى جانبهن الأغنام تفعل الشيء نفسه، فتسممن، توفيت واحدة في الحال، وأسعف الاثنان الأخيرتين إلى المركز الطبي، لكن خطفهن الموت لاحقاً، وفق ما تروي الوالدة المكلومة بأسى لـ”دروب”.
ومع استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع ما يقارب العامين، يتمدد الجوع في كل السودان، إذ يوجد نحو 26 الف شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي، وفق الأمم المتحدة التي أطلقت مؤخراً خطة استجابة إنسانية بمبلغ 6 مليارات دولار لمواجهة الكارثة في البلاد.
تجسد الحادثة لواقع يعيشه ملايين الأشخاص خاصة في غرب ووسط السودان حيث بلغ الصراع المسلح ذروته، وينعدم الغذاء والخدمات الأساسية، في ظل غياب المساعدات الإنسانية من الخارج.

كنوز ثمينة
وتعد بقايا العام في مكبات النفايات، كنوز ثمينة للأطفال النازحين، ويعدونها مصدراً أساسا لسد الرمق، وسط تقارير موثقة بأن أوراق الشجر أصبحت طعاماً رئيسياً للسكان في بعض المناطق السودانية.
وتقول سعدية لـ”دروب” إنها عاشت مأساة كبيرة بسبب انعدام الغذاء بعد توقف المساعدات الإنسانية في المخيم الذي تقيم فيه، بعد أن تركها زوجها الذي لا تعرف مكانه، وظلت تكافح من أجل توفير لقمة طعام لأطفالها الخمسة.
ويواجه أكثر من مليوني شخص في إقليم دارفور أزمة حاد في الغذاء نتيجة لحرب 15 أبريل، التي تسببت في توقف المساعدات الإنسانية التي يعتمد عليها سكان دارفور منذ أكثر من 20 عاماً.
وتواصل سعدية “خرجت من خيمتي بمعسكر لقاوة ذات صباح من أجل الحصول على فرصة عمل في إحدى المنازل تمكنني من شراء طعام لأطفالي، ولكن بعد عودتي وجدت بناتي الثلاث في حالة صحية سيئة نتيجة تناولهن بقايا طعام من مكب لبقايا الطعام، وتوفت إحداهن على حجري، ولم تمنحني فرصة لإسعافها”.
بينما أسعف جيرانها في المعسكر طفلتيها الأخريات إلى المركز الصحي الوحيد الذي يعمل في المخيم، إلا أن الطبيب لم يتمكن من إسعافهن لعدم توفر الأدوية المنقذة للحياة، فتوفين ليلحقن بشقيقتهن بعد ساعات قليلة، وفق ما تضيفه بحزن.

حوادث مماثلة
ولم تكن طفلات سعدية الثلاث وحدهن اللاتي توفين في دارفور بسبب تناولهن الطعام من مكب القمامة، بينما شهد الإقليم المضطرب العديد من الحوادث المماثلة، لتخلف مآسي تروي نفسها.
وأكد الناطق باسم منسقية النازحين واللاجئين آدم رجال، في وقت سابق، وفاة 5 أطفال بعد تناولهم بقايا طعام من مكب للنفايات في ولاية شرق دارفور “بسبب الجوع الذي ينهش أجسادهم”.
وقال رجال لـ”دروب”، إن النازحين أصبحوا يأكلون أوراق الشجر بعد توقف المساعدات الإنسانية منذ اندلاع الحرب. وأوقف برنامج الغذاء العالمي المساعدات الإنسانية المخصصة للنازحين بسبب الحرب.
وطالب آدم طرفي الحرب في السودان بالسماح لوصول المساعدات الإنسانية حتى لا تؤدي إلى وفاة جيل كامل من الأطفال؛ بسبب انتشار الأمراض وسوء التغذية.

قلق دولي
وفي يناير الماضي، حذرت وكالات تابعة للأمم المتحدة من انتشار أكبر للمجاعة في السودان خلال العام الجاري، ما يهدد حياة ملايين الأشخاص حال عدم وصول الإغاثة وتوفير الدعم المالي.
وقال برنامج الغذاء العالمي إن نحو 24.6 مليون شخص (ما يقرب من نصف تعداد سكان السودان) يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم نحو 4.7 ملايين من الأطفال دون سن الخامسة والحوامل والمرضعات.
وقالت مديرة برامج منظمة أطباء بلا حدود في السودان كلير نيكوليه إن طفلاً على الأقل يموت كل ساعتين في مخيم زمزم بولاية شمال دارفور، مما يعني أن 12 طفلًا يفقدون حياتهم يوميًّا.
وتجسد فاجعة طفلات سعدية، معاناة سكان إقليم دارفور داخل مخيمات النزوح واللجوء، حيث يجدون أنفسهم وذويهم في حالة عجز شبه تام في الحصول الطعام، في ظل الحرب التي فرضت عليهم واقعاً مريراً لن ينفك إلا بتوقفها.