في إنتظار الموت

الروائي/ محمد عبدالله عبدالله أبكر
الفاشر تصرخ..
لكن ليس بالدموع..
بل بصوت الجوع الذي ينهش الأجساد..
الفاشر تصرخ..
بصوت العطش الذي يختنق في حناجر الأطفال..
الفاشر تصرخ..
بصوت الأمهات اللواتي يلدن تحت قصف الطائرات..
فيموت الجنين قبل أن يتعلم كيف يبكي؟.
ويقف الآباء عاجزين أمام بطون أطفالهم الخاوية..
مشهد يُمزّق القلوب ويُخجل الضمير..
في الفاشر..
لا يعرف الليل سكونه..
يتسكع الموت في الأزقة..
يقتنص طفلاً من حضن أمه..
أو شيخًا في ختام صلاته..
الفاشر محاصرة..
لا دخول ولا خروج..
الفاشر..
تصحى على أصوات الرصاص..
وتنام علي أصوات الرصاص..
وينام الأطفال والنساء على أصوات الدانات والراجمات..
حصار..
قتل.. دمّار.. جوّع..
الأطفال يموتون من الجوع..
جثث منتشرة في الشوارع..
جريمة لم يشهد لها التاريخ مثيل..
حتى في الحروب القديمة..
كان يُجنَّب الأطفال والنساء..
الأن فقد صار القتل مباحًا..
إذا كان المقتول إبن هامش..
لذلك ألعن كل الجنرالات..
ربًا ربًا..
كل أرباب المليشيات..
كل أرباب الجيش..
كل من يحول الدماء إلى سلعة تُباع..
أن الإنسان الدارفوري هو الضحية..
وأن أهل الهامش هم الضحايا الأولى..
بل الوحيدين للحروب..
حتي في الجيش أو في المليشيات..
أول من يموت هو الإنسان الدارفوري..
يهللون ويكبرون وهم يتغذون على دماء الأطفال وجوع الفقراء..
قتل بصمت..
أمام أعين الجميع..
الجوع الذي يفتك بأهل الفاشر..
ليس ناتجًا عن قحط طبيعي..
ولا عن أزمة طارئة..
إنه سلاح..
سلاح تجويع مدروس..
يُنفّذ في ظل حصار خانق..
وأبواب مغلقة..
ومعابر تتحول إلى مصائد موت..
الفاشر تموت ببطء..
أجسادٍ منهكة ومتعبة..
بطون خاوية من الطعام والشراب..
لا صراخ.. لا صوت..
سوى صوت المعدة الفارغة..
والعيون المحدّقة تنتظر شيئاً ما؟.
صواريخ تحرق الأجساد..
فلا يتبقى من الجسد إلا بقايا أشلاء..
طائرات تقصف المصلين..
سحقت أجسادهم..
فاستشهدوا وهم بين يدي الله..
مجازر في المساجد..
الأهالي ماتوا في المساجد..
وفي مراكز الإيواء ومخيمات النزوح..
كل ما حدث..
وما يحدث تطهير عرقي بقوة الإبادة الجماعية..
كل الجرائم فى ظل عدم تسليط الإعلام على ما يحدث!.
من قتل، دمار، حصار، نزوح، تشريد..
حتى لا تنكشف جرائمهم..
فقد جربوا في إنسان دارفور كل وسائل الفناء والموت..
لكنهم فشلوا..
قصفوهم بالطائرات..
هدموا البيوت بالقنابل..
والصواريخ فوق الأطفال والنساء..
حتى الحيوانات لم تسلم منهم..
أحرقوا المُدن والقرى والمزراع..
هجروا وشردوا..
حتي صار إنسان دارفور لاجئين ونازحين..
منعوا دخول منظمات العون الإنسانى..
قصفوا معسكرات النزوح بالطيران..
تعذيب وإعتقالات تعسفية..
إشتباهات وسياسات ظالمة..
شردوا الملايين فى أصقاع الأرض..
قتلوا الزعماء..
قتلوا القادة..
قتلوا الشباب..
حاصروا الفاشر بسلاح الجوع..
كما حاصر كفار قريش الرسول..
الجوع أهون أنواع الألم..
فمن عاش ألم الموت..
لم يمت..
فلن تقهره صرخة جوع..
الفاشر المحاصرة والمجوعة..
وقعت فريسة العفوية السياسية..
والمزايدات التى دفعت بها إلى اليأس والإحباط..
لكن الفاشر في نفسها الأخير..
تنفس في أنفاسها الأخيرة..
أرائكم عبر البريد الالكتروني: [email protected]



