الجهل بين الفرد والمجتمع: حين يتحول إلى سلطة

كتبت / تماضر بكرى
في مسيرة الأمم، لا يُعد الجهل عيبًا في شخصية الفرد، بل هو حالة قابلة للتجاوز، وفرصة للتعلم، ومنعطف قد يقود إلى النور إن وجدت اليد التي تنتشله. الجهل ليس وصمة، بل اختبار حقيقي للمجتمع: هل يملك أدوات الارتقاء بالفرد، أم يتركه يغوص في متاهات التخلف، حتى يتحول إلى عبء على نفسه وعلى من حوله؟
لكن الخطر لا يكمن في الجهل ذاته، بل في تحوله إلى سلطة. حين يتقلد الجاهل منصبًا لا يستحقه، ويُمنح صلاحيات لا يدرك حدودها، يصبح الجهل وباءً لا يُصيب صاحبه فقط، بل يتفشى في مؤسسات الدولة، ويهدد القيم، ويهدم الأسس التي بُنيت عليها المجتمعات.
ومع ذلك فان الجهل كحالة فردية: قابل للتجاوز
ففي اى مجتمع، يولد الإنسان بلا معرفة، ويكتسبها بالتجربة والتعليم. الجهل في هذه المرحلة ليس عيبًا، بل هو نقطة البداية. لكن ما يحدد المسار هو البيئة:
– هل تُحفّز على السؤال؟
– هل تُشجّع على التعلم؟
– هل تُعاقب الفضول أم تحتضنه؟
في المجتمعات الحية الطامحة، يُنظر إلى الجهل كفرصة للتعليم، ويُعامل الجاهل كطالب معرفة. أما في المجتمعات المنغلقة، يُترك الجاهل ليعيد إنتاج جهله، ويُمنح أحيانًا سلطة تُضفي على جهله شرعية، فيتحول إلى خطر… واخطر الخطر
⚠️ الجهل حين يتسلّق السلطة
هنا تبدأ الكارثة. حين يُمنح الجاهل منصبًا، لا يُمارس الجهل فقط، بل يفرضه.
– يُقصي الكفاءات لأنه لا يدرك قيمتها.
– يُصدر قرارات عشوائية لأنه لا يفهم تبعاتها.
– يُحارب النقد لأنه يراه تهديدًا لا تصحيحًا.
في هذه الحالة، لا يعود الجهل مجرد نقص في المعرفة، بل يصبح أداة تدمير ممنهجة ، تُشوّه القيم، وتُعطّل التنمية، وتُطفئ وهج العقل.
🧪 تجربة رمزية: قصة مدير المدرسة
في إحدى القرى، تولّى إدارة المدرسة رجل لم يُكمل تعليمه، لكنه كان مقربًا من أحد المسؤولين. لم يكن يدرك الفرق بين التعليم والتلقين، فحوّل المدرسة إلى ساحة للعقاب، لا للتعلم.
– منع المعلمين من استخدام الوسائل الحديثة.
– رفض إدخال الحاسوب بحجة أنه “يُفسد عقول الأطفال”.
– طرد طالبة متفوقة لأنها “تسأل كثيرًا”.
بعد سنوات، خرج جيل كامل لا يعرف كيف يفكر، بل كيف يطيع. وحين سُئل عن نتائج المدرسة، قال بفخر: “لا أحد يعترض، الكل ملتزم”.
لكن الحقيقة كانت أن الجهل قد لبس عباءة السلطة، وفرض نفسه على مستقبل الأطفال.
اذا لابد للمعرفةان تكون واجب جماعي
فالجهل لا يُعالج بالصمت، ولا يُحتوى بالمجاملة.
حين يُترك الجاهل في موقع القرار، يُصبح المجتمع كله في خطر.
لذا، فإن مسؤولية كل فرد، وكل مؤسسة، أن ترفع منسوب الوعي، وتُحصّن المناصب بالعلم، وتُبقي السلطة في يد من يستحقها.
فالمجتمعات لا تنهض بالنيات ولا بالترضيات بل بمن يعرف كيف يقودها نحو النور.



