شركات البوكو في “دلقو وحلفا”.. ذهب يلمع فوق تلوث البيئة

كتب عبدالمنعم العمرابي
البداية: وعود التنمية… وانكشاف الكارثة
لم يعد التعدين عن الذهب في شمال السودان مجرد نشاط اقتصادي محدود، بل تحوّل إلى ملف يثير مخاوف كبيرة في محليتي دلقو ووادي حلفا. عشرات الشركات ظهرت فجأة، بعضها مجهول الهوية، وبعضها يعمل بالقرب من المدن والقرى، وسط غياب الرقابة الحكومية وضعف تطبيق القوانين. النتيجة: بيئة مشوهة، أمراض متفشية، وغضب شعبي يتصاعد يوماً بعد يوم.
الزئبق والسيانيد… سموم بلا رقيب
منطقة دلقو تعاني منذ سنوات من استخدام مادتي الزئبق والسيانيد في معالجة مخلفات التعدين (الكرتة). هذه المواد مصنفة عالمياً بأنها شديدة السمية، حيث تحظر اتفاقية ميناماتا الدولية استخدام الزئبق في التعدين التقليدي، كما تفرض معايير البنك الدولي قيوداً صارمة على استخدام السيانيد.
لكن على أرض الواقع، لا وجود لفرق فنية تجري اختبارات للتربة والمياه، ولا دراسات بيئية منشورة، ما يجعل حياة آلاف المواطنين في خطر دائم.
شركات بلا أسماء… وبلاغات ضد مجهول!
الأهالي في وادي حلفا فوجئوا بشركة تعمل بالقرب من المدينة، ومع ذلك سُجلت بلاغات رسمية ضد “مجهول”. هذا يطرح سؤالاً محورياً:
كيف يمكن أن تعمل شركة تعدين بآليات ومصانع ضخمة دون أن تكون معروفة للسلطات؟
المصادر المحلية تؤكد أن بعض الشركات تعمل دون أوراق واضحة أو بيانات معلنة، ولا يعرف المواطن لمن تتبع، وهل هي مرخصة أم لا.
الأموال الغائبة: من المستفيد؟
ينص قانون تنمية الثروة المعدنية والتعدين السوداني لسنة 2015 على:
- إلزام الشركات بدفع رسوم مالية للمحليات.
- تخصيص أموال للمسؤولية المجتمعية لدعم الصحة والتعليم والخدمات.
لكن الواقع مختلف. لا مشاريع صحية، لا تحسين في المدارس، ولا أثر للمال في حياة الناس. يبقى السؤال:
أين تذهب عوائد التعدين؟ ومن يراقب الأموال التي تدخل المحليات؟
ضعف الشركة السودانية للموارد المعدنية
المؤسسة المسؤولة عن الرقابة، وهي الشركة السودانية للموارد المعدنية، تواجه اتهامات مباشرة من المواطنين بالتقصير وربما بالتواطؤ منذ سنوات طويلة ظل المدير التنفيذي لمحلية دلقو في مواقع كثيرة ابرزها مديرا لاسواق التعدين في المحلية ، مما يثير شكوكا حول تواطؤ إداري أو فشل ممنهج في فرض القوانين.
اقتصاد منهك… وإنسان ينهار
لا شك أن البلاد تمر بظروف حرب وضائقة اقتصادية، وكل غرام ذهب يمكن أن يسهم في دعم الجنيه السوداني. لكن هل يستقيم أن يكون ذلك على حساب صحة المواطن ودمار البيئة؟ المعايير الدولية واضحة: التنمية الحقيقية لا تعني استخراج الموارد بأي ثمن، بل تحقيق توازن بين الاقتصاد والإنسان والبيئة.
الخلاصة: بداية الإصلاح
ما يجري اليوم في دلقو وحلفا يحتاج إلى إصلاح عاجل يبدأ بالخطوات التالية:
- تفتيش عاجل و إعلان أسماء الشركات العاملة للرأي العام.
- إخضاع جميع مواقع التعدين لدراسات بيئية مستقلة.
- نشر عقود الشركات ورسومها وعوائدها بوضوح.
- تغيير الكوادر الإدارية المتهمة بالتقصير.
- إشراك المجتمع المحلي في الرقابة واتخاذ القرار.
ففي ظل غياب الشفافية، تبقى شركات ((البوكو )) مجرد مصانع موت صامتة، تسرح وتمرح فوق أرض الشمال، فيما المواطن هو الضحية الأولى والأخيرة.