أصدقاء دروب

الشهادة السودانية.. بين فقدان الثقة وتحديات الواقع

كتبت / تماضر بكرى

حين تنكسر الرموز

في ذاكرة كل بيت سوداني، للشهادة الثانوية مكانة لا تُضاهى. كانت تُعلّق على الجدران، وتُحتفل بها كما يُحتفل بالبطولات. لم تكن مجرد ورقة نجاح، بل كانت وعدًا بمستقبل، وبوابة عبور نحو الحلم. لكن اليوم، هذا الرمز الذي كان يُضيء طريق الأمل، بدأ يخفت وسط عتمة الواقع.

الشهادة السودانية لم تسقط فجأة، بل تآكلت تدريجيًا تحت وطأة الإهمال، والتسييس، والظروف التي لا ترحم. لم تعد تُقاس بالكفاءة، بل تُقاس بالنجاة من الفوضى. وبين طموح الطلاب، وصمت المؤسسات، يقف التعليم في السودان على حافة الانهيار، يصرخ بلا صوت.

الواقع كما هو: أرقام ومشاهد لا تُكذّب

– تسريب الامتحانات أصبح ظاهرة موسمية، تُضعف الثقة في النظام وتُحرج الدولة أمام العالم.

– تراجع الاعتراف الدولي: جامعات عربية وأجنبية بدأت تطلب اختبارات إضافية أو مقابلات شخصية للطلاب السودانيين، بعد أن كانت الشهادة تُقبل مباشرة.

– تأجيلات متكررة بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية، مما يربك الطلاب ويؤثر على تركيزهم واستعدادهم.

– نقص المعلمين المؤهلين بعد موجات الهجرة الجماعية للكفاءات، وغياب التدريب المستمر.

– بيئة تعليمية منهكة: مدارس بلا كهرباء، بلا معامل، بلا مكتبات، وأحيانًا بلا مقاعد.

آخر ما نتفاجأ به  أخطاء في النتائج… هل يُعقل هذا؟

من أكثر ما يثير الاستغراب في السنوات الأخيرة، هو تداول لحالات أخطاء فادحة في نتائج الشهادة السودانية. طلاب يفاجأون بدرجات لا تتناسب مع أدائهم، وآخرون يُحرمون من النجاح رغم تأكيدهم على صحة إجاباتهم. والأدهى من ذلك؟ غياب التوضيح الرسمي.

هل يُعقل أن تُعلن نتائج وطنية بهذا الحجم، دون مراجعة دقيقة أو آلية واضحة للطعن؟ هل يُعقل أن يُترك الطالب في دوامة من الشك والظلم، دون أن تخرج الوزارة ببيان شفاف يوضح ما حدث؟ هذا الصمت غير مبرر، ويزيد من فقدان الثقة في منظومة التعليم، ويطرح تساؤلات لا يمكن تجاهلها.

من المسؤول؟

– الدولة تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية، بسبب غياب الإرادة السياسية الحقيقية لإصلاح التعليم.

– المجتمع ساهم بالصمت، أو بالتطبيع مع الفساد والغش، أو بالانسحاب من دعم المدارس الحكومية.

– الإعلام لم يمنح التعليم المساحة التي يستحقها، وظل مشغولًا بقضايا السياسة والجدل العقيم.

ورقم كل ماسبق وكل مايقلق… لا يزال الأمل حيًّا

– هناك طلاب يدرسون في ظروف قاسية، ويحققون نتائج مبهرة.

– معلمون يواصلون العطاء رغم تدني الرواتب وانعدام الحوافز.

– مبادرات شبابية وتعليمية بدأت تظهر، تحاول أن تملأ الفراغ وتعيد الثقة في التعليم.

ولكن هل  من واضع للحلول يوضح  إلى أين نمضي؟ مستصحبا هذه الحلول….

– إصلاح الشهادة السودانية يبدأ من الاعتراف بأنها لم تعد كما كانت، وأن استعادتها تتطلب قرارات جريئة.

– إعادة هيكلة المناهج لتواكب العصر، وتربط التعليم بسوق العمل.

– رقمنة الامتحانات للحد من التسريب والغش، وتعزيز الشفافية.

– استثمار حقيقي في المعلم ، لأنه حجر الزاوية في أي إصلاح تعليمي.

– إشراك المجتمع في الرقابة والدعم، لأن التعليم مسؤولية جماعية.

ختاما طلابنا لا يريدون شهادة تُمنح، بل شهادة تُستحق*

الشهادة السودانية ليست مجرد امتحان، بل مرآة تعكس حال أمة. إن أردنا لها أن تستعيد بريقها، فعلينا أن نعيد الاعتبار للعلم، للمعلم، وللطالب. لا نريد شهادة تُمنح بالمجاملة، بل شهادة تُنتزع بالجدارة. فإما أن نُصلح تعليمنا، أو نُسلّم بأننا نُخرّج أجيالًا بلا مستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى