خبراء: الفساد يغذي استمرار الحرب في السودان

(دروب) 20 أكتوبر 2025 – اعتبر خبراء سودانيون، أن الفساد المستشري في البلاد أحد أهم أسباب استمرار الحرب، إذ يمول الجيش وقوات الدعم السريع العمليات القتالية من الأموال المختلسة والمنهوبة، مشيرين إلى صعوبة تحقيق السلام قبل مكافحة الفساد.
وكان ذلك خلال قمة السودان للنزاهة التي انطلقت اليوم الاثنين في العاصمة الأوغندية كمبالا، بتنظيم من مركز المشروعات الدولية “صايب” ومؤسسة “Sida” السويدية، وبمشاركة واسعة لخبراء في مجال مكافحة الفساد والحوكمة، وممثلين لمنظمات المجتمع المدني السودانية.
وقال رئيس المجموعة السودانية للشفافية؛ سليمان بلدو خلال كلمته في قمة السودان للنزاهة، إن حكم الانقاذ كان نظام لصوصي؛ يمارس لصوصية مؤسسة؛ محمية بقوة الأجهزة الأمنية، لافتاً إلى شركات الجيش ومجموعة الصناعات الدفاعية؛ والتي تستحوذ على أكثر من 80 بالمئة من موارد الدولة، ولا تدخل ايراداتها خزينة الدولة.
وشدد أن نظام المؤتمر الوطني السابق في سياق بحثه عن حماية حكمه، أسس قوات الدعم السريع وعمل على تمكينها اقتصادياً، من خلال السماح لها بتأسيس شركات للعمل في مجال التعدين عن الذهب والطرق والجسور والانشاءات، وكانت تُمنح كل العطاءات الحكومية.
وبعد العام 2017 أنخرط الجيش وقوات الدعم السريع في تنافس حول التمكين الاقتصادي، حيث حصد الطرفين أموالاً من المشاركة في حرب اليمن، فقد أشترى محمد حمدان حميدتي بنك الخليج، وبنك الثروة الحيوانية؛ وأسس بنك الإنتاج لمنافسة البنك الزراعي؛ وتوسع الدعم السريع، ليكون حامي المصالح الاماراتية في السودان، وفق بلدو.
ويشير إلى أنه بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير، دخل الجيش وقوات الدعم السريع في سباق لاقتسام الغنائم وتركة النظام السابق، فقد استحوذ الجيش على شركة زادنا سريعا وجعلها تابعة للهيئة الخيرية للقوات المسلحة، بعد ما كانت تدار بواسطة عائلة البشير.
معركة الإعمار
وشدد بلدو أن جميع هذه الشركات والاستثمارات العسكرية غير خاضعة للحكومة ولا تدخل ايراداتها إلى خزينة الدولة بما في ذلك فترة الحكومة الانتقالية التي سعت إلى اخضاعها ولم تتمكن. وبعد اندلاع الحرب، عمل كل من الجيش وقوات الدعم السريع على تدمير مقدرات الآخر؛ عن طريق القصف بالطائرات والمسيرات.
وتابع “عمل الطرفين على تمويل الحرب من الفساد، فقد مارست قوات الدعم السريع النهب، وعلى سبيل المثال نهبت صمغ عربي من مدينة النهود بقيمة 75 مليون دولار بعد السيطرة عليها في مايو الماضي”.
وقال إن المعركة القادمة بين الجيش والدعم السريع ستكون في ملف إعادة الاعمار، وقد برزت بعض الملامح؛ حيث زارت منظومة الصناعات الدفاعية روسيا مؤخرا لبناء شراكات في هذا السياق؛ وعقدت مصر مؤتمرا ترغب من خلاله تولي شركاتها إعادة اعمار السودان؛ مضيفاً “ما لم تخرج الأجهزة الأمنية والعسكرية من الاقتصاد لن تتوقف الحرب في السودان”.
من جهته، وأوضح الخبير في مكافحة الفساد أحمد أبو سن أن الحرب الجارية في السودان حالياً هي في الأساس صراع على الموارد، وما يحدث من فساد في قطاع الذهب وغيره سبباً في استمرار القتال الحالي، مشدداً أن أطراف النزاع وجدت حتى في المساعدات الإنسانية فرصة لممارسة الفساد ببيعها في الأسواق؛ لشراء الحلفاء وتمويل الحرب.
ونبه نقيب الصحفيين السودانيين عبد المنعم أبو إدريس، إلى عدة أسباب حالت دون تمكن الاعلام السوداني من القيام بدوره كاملاً في مكافحة الفساد، من بينها ملكية معظم أجهزة الاعلام إلى أسر وأفراد؛ رغم أن القانون ينص على أن تكون شركات مساهمة عامة؛ وهو جعلها مجرد استثمار أسري له تقاطعات مع السلطة.
كذلك، يوجد ضعف في قدرات العاملين في الاعلام السوداني، خاصة في مجال التحقيقات الاستقصائية، ومع ذلك تحقق بعض الانجازات الفردية في ما يلي مكافحة الفساد، كما توجد صعوبة في الحصول على المعلومات في البلاد، وفق أبو إدريس.
وقال “بعد اندلاع الحرب؛ عملت أطراف الصراع على بناء تكتلات اعلامية موالية لها، بجانب وجود تشكيلات اعلامية داخل كل مجموعة لتستغلها في صراعها الداخلي فيما بينما، فنحن بحاجة إلى مكافحة الفساد داخل الاعلام نفسه، حتى يكون قادراً على مكافحة الفساد”؛ لافتاً إلى أن مجموعات الفساد لها مصلحة في استمرار الحرب.
التزام مستمر
بدورها، قالت المدير التنفيذي لمركز المشروعات الدولية “صايب” في السودان؛ د. شذى مهدي إن مؤسستها عملت لمدة 5 سنوات في شراكات مع عدة منظمات مجتمع مدني في السودان في مجال مكافحة الفساد والانتقال الديمقراطي؛ موضحة أن “صايب” جزء من صندوق دعم الديمقراطية الذي كان السودان من أكثر الدول التي تلقت منه تمويلاً خلال الخمس سنوات الماضية.
وأكدت استمرار دعم المنظمات والهيئات من أجل مكافحة الفساد وتحقيق سلام دائم في السودان، لافتة إلى أن شركاؤهم تركوا بصمة في مجال مكافحة الفساد، وكثمرة لجهودهم تشكلت بعض الكيانات لمكافحة الفساد من بينها التحالف السوداني لمكافحة الفساد؛ فهم يهدفون في الأساس إلى زيادة عدد المهتمين بمكافحة الفساد في البلاد.
وقال الأكاديمي د. بكري الجاك إن السودان يعيش حالة اختطاف مؤسسي كامل، إذ تدار وزاراته، من خارج الجهاز التنفيذي، معتبرا أن ما يحدث الآن لا يتجاوز محاكمات قضائية، شكلية بلا مضمون حقيقي.
وأوضح الجاك أن أساس أي بناء دستوري هو سيادة حكم القانون وفصل السلطات، لكن الواقع السوداني اليوم يفتقد ذلك تماما حيث أصبحت القوة والسلاح هما معيار السلطة والنفوذ، قائلاً: “من يملك السلاح لا يحاسب، ومن لا يملكه يخضع للمساءلة”.
وأضاف أن إيقاف الحرب شرط أساسي لبدء أي عملية إصلاح أو مكافحة للفساد، فبدون مؤسسات حقيقية ودولة قانون لا يمكن إنتاج آليات مساءلة فاعلة.