صاي الأثرية بين مطرقة التعدين وسندان التاريخ

كتب/ عبدالمنعم العمرابي
الوخز بالابر
في قلب الولاية الشمالية تلوح جزيرة صاي إحدى أهم وأكبر الجزر النيلية في السودان كتحفة أثرية تحمل آثار حضارات متعاقبة منذ آلاف السنين. غير أن أصوات بعض الأهالي مؤخرًا تعالت بالاحتجاج والقلق بعد ظهور آليات تعدين تعمل داخل الجزيرة رغم أنّها مسجلة كموقع أثري وتخضع لقانون حماية الآثار لسنة 1999.
المشهد صادم جرافات تحرّك التربة، حفريات بالقرب من مواقع مسجّلة، وتراخيص غامضة لا يعرف أحد حقيقتها. لتتحول صاي من ذاكرة حضارية إلى ساحة نزاع بين الذهب والتراث.
🪡وخزة ثانية
القانون واضح… لكن من يطبقه؟
قانون حماية الآثار السوداني (1999) نصّ بجلاء على أن جميع الآثار ملك للدولة، وأن الهيئة العامة للآثار والمتاحف هي الجهة الوحيدة المخوّلة بمنح تصاريح لأي أعمال حفر أو تنقيب أو بناء قرب المواقع الأثرية.
وبموجب القانون يُمنع تحريك أو إزالة أي أثر إلا بترخيص رسمي وكل من يشرع في أعمال تنقيب أو تعدين داخل مناطق أثرية دون إذن يعرض نفسه للمساءلة الجنائية.
لكن ما يجري في جزيرة صاي يكشف خللاً عميقًا كيف دخلت الآليات؟ من صرّح لها؟ *ولماذا تتضارب التصريحات بين “منع التراخيص” ووجود شركات تعمل على الأرض بالفعل؟
🪡وخزة مؤلمة
أصابع الاتهام
الشارع المحلي يتحدث عن مستثمر واحد يعمل داخل الجزيرة ليس من أبناء المنطقة، حظي بامتياز لا يعرف احد كيف مُنح له البعض يشير إلى وجود تواطؤ مبطن بين بعض المسؤولين في ادارة السياحة والاثار وأطراف محلية سهلت مرور اليات مقابل وعود مالية.
🪡وخزة عميقة
فساد مبطن… وذاكرة مهددة
ما يزيد الغضب أنّ هناك تقارير رسمية سابقة أوصت بوقف أي أعمال تعدين داخل جزيرة صاي، باعتبارها منطقة أثرية بالكامل. ورغم ذلك، لم تُنفذ القرارات على الأرض.
هنا يبرز السؤال من المستفيد من السكوت؟
الجواب يبدو واضحًا — المستفيدون هم أصحاب النفوذ الذين يرون في الذهب فرصة للثراء، ولو كان الثمن دفن التاريخ..
بموجب القانون، تتحمل إدارة السياحة والآثار بالولاية والهيئة القومية للآثار والمتاحف مسؤولية مباشرة عن أي انتهاك. فالتقصير في منع دخول الآليات أو مراقبة التصاريح يُعد خرقًا للواجب القانوني.
المطلوب اليوم:
- فتح تحقيق شامل لكشف التصاريح الممنوحة، إن وجدت.
- إيقاف فوري لكل الآليات العاملة داخل الجزيرة.
- محاسبة المسؤولين الذين سهّلوا التعدي.
- حماية الجزيرة قضائيًا عبر أوامر تحفظية تمنع أي نشاط تعدين مستقبلاً.
وخزة عند اللزوم
صرخة إلى والي الولاية
السيد والي الولاية الشمالية،
إنّ التاريخ لا يُشترى بالذهب، وجزيرة صاي ليست أرضًا للاستثمار السريع، بل ذاكرة وطنية وإنسانية. إن استمرار التغاضي عن هذه الانتهاكات يُحمّل ولايتكم المسؤولية الكاملة أمام الشعب والأجيال القادمة.
نناشدكم بفتح تحقيق مستقل، وإعلان نتائجه للرأي العام، قبل أن تُمحى آثار صاي ويُدفن تاريخ السودان تحت جرافات التعدين.
وخزة اخيرة
الذهب يزول… والتاريخ لا يعود ..وجزيرة صاي ليست ملكًا لأفراد أو شركات، بل إرث أمة بأكملها. إذا استمر التعدين، لن يخسر الأهالي وحدهم، بل سيخسر السودان والعالم كله قطعة من ذاكرته الإنسانية.
الوقت يضيق، والقرار بيد السلطة: إمّا حماية الجزيرة، أو تركها فريسة للفساد والذهب.