“حرب الفظائع”.. تقرير أممي يتوثق جرائم طرفي الصراع في السودان

جنيف 5 سبتمبر 2025 – قالت البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، إن طرفي الصراع استهدفا السكان المدنيين عمدا في أنحاء البلاد المنكوبة، وارتكبا جرائم حرب على نطاق واسع ومنهجي، وقد ترقى بعض الأفعال كذلك إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الاضطهاد والإبادة.
وخلص أحدث تقرير للجنة – صدر اليوم الجمعة تحت عنوان “حرب الفظائع” إلى أن القوات المسلحة السودانية ارتكبت جرائم حرب تمثلت في تنفيذ عمليات إعدام دون حكم سابق أو ضمانات قضائية، وانتهاكات للكرامة الشخصية من خلال تدنيس جثث الموتى.
كما ارتكبت قوات الدعم السريع جرائم ضد الإنسانية، لا سيما القتل، والاضطهاد على أسس عرقية، والتهجير القسري، وغيرها من الأعمال اللاإنسانية، وفق التقرير.
وأضاف التقرير الذي اطلعت عليه “دروب” “وجدت البعثة أن الأطراف وحلفاءها شنّوا هجمات واسعة النطاق ضد المدنيين في شمال دارفور والجزيرة والخرطوم. واستُهدف المدنيون عمدًا بناءً على انتمائهم العرقي أو انتمائهم المفترض للطرف الآخر. ووثّقت البعثة عمليات قتل، بعضها على نطاق واسع، وإعدامات، وإصابة مدنيين”.
عقاب جماعي
وسجّلت البعثة حالات عقاب جماعي، وأعمال انتقام، ونزوح مرتبط بالنزاع.
وأفاد التقرير بأن قوات الدعم السريع، خلال حصارها للفاشر والمناطق المحيطة بها، ارتكبت مجموعة واسعة من الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل، والتعذيب، والاسترقاق، والاغتصاب، والاستعباد والعنف الجنسي، والتهجير القسري، والاضطهاد على أسس عرقية واجتماعية وسياسية.
وأضاف أن قوات الدعم السريع وحلفاءها استخدموا التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، من خلال حرمان السكان المدنيين من المواد الأساسية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والدواء والمساعدات الإغاثية، “وهو ما قد يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية والتي تعتبر جريمة ضد الإنسانية”.
وأشار التقرير كذلك إلى أن القوات المسلحة السودانية، في بعض الحالات بمشاركة مدنية، مسؤولة عن تدنيس جثث الموتى وتعريض الضحايا لفضول الجمهور.
وقال إن “إعدام المدنيين أو الأشخاص العاجزين عن القتال دون ضمانات قضائية يُعد انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي. وترى البعثة أن هذه الممارسات تنتهك أيضًا القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي والحماية من التعذيب وعدم التمييز وضمانات المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة”.
وبخصوص المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، شدّد التقرير على أن تحقيق العدالة والحماية يجب أن يتم فورا من دون انتظار للتوصل إلى اتفاق سلام.
وتابع “المؤسسات المحليّة في السودان لا تزال غير راغبة أو قادرة على إجراء تحقيقات ذات مصداقية. على المجتمع الدولي مساندة المحكمة الجنائية الدولية، واستخدام الولاية القضائية العالمية لمساءلة الجناة، وضمان أن يتحمّل المسؤولين عن ارتكاب الفظائع عواقب أفعالهم”.
وأشار التقرير إلى أن البعثة زارت كل من اثيوبيا وأوغندا وتشاد وكينيا، وأجرت ٢٥٧ مقابلة (١٢٠ رجلاً؛ ١٣٧ امرأة) بين أكتوبر ٢٠٢٤ ويوليو ٢٠٢٥. بينها ١٩٩ مقابلة شخصية و٥٨ مقابلة عن بُعد. كما عقدت أكثر من ٥٠ اجتماعًا ومشاورة مع الضحايا والناجين، والمجتمعات المتضررة، والمجتمع المدني، وأصحاب المصلحة الآخرين، والخبراء.
وأوضح التقرير أن البعثة تحققت من ٤٣ مقطع فيديو، وحددت الموقع الجغرافي لثماني هجمات. واستعرضت المعلومات الواردة من ١٤٧ فردًا و٣٢ منظمة من المجتمع المدني، عقب إصدار دعوة لتقديم المساهمات. كما استعرضت تقارير من مصادر عامة، بما في ذلك الأمم المتحدة، والهيئات الإقليمية والدولية، والمنظمات غير الحكومية.
لا تعاون
وذكر التقرير أن البعثة أرسلت خمس مذكرات شفوية إلى البعثة الدائمة لجمهورية السودان في جنيف. وجددت طلبها لزيارة السودان والاجتماع مع المسؤولين. كما خاطبت رئيس الوزراء كامل ادريس، طالبةً عقد اجتماع وزيارة للسودان. وفي 22 أغسطس الماضي، قدمت مسودة هذا التقرير للتعليق عليها. ولم تُجب على جميع المراسلات.
كذلك راسلت البعثة قوات الدعم السريع في ١٤ يوليو ٢٠٢٥ طالبةً عقد اجتماع. وفي ٢٩ يوليو، كررت طلبها وتبادلت الأسئلة بشأن مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. ولم تتلقَّ أي رد، وفق التقرير.
وقال محمد شاندي عثمان، رئيس بعثة تقصي الحقائق “إن النتائج التي توصلت إليها تحقيقاتنا لا تترك مجالا للشك بأن المدنيين يدفعون الثمن الأكبر في هذه الحرب”.
وكشف التقرير عن أن الطرفين فشلا في اتخاذ تدابير كافية للحد من أثر الضربات الجوية والقصف المدفعي على المدنيين والبنى التحتية المدنية. ونتيجة لذلك، تم تدمير مدن وقرى ومخيمات نزوح ومستشفيات ومنازل، بشكل منهجي أو جعلها غير صالحة للسكن، مما أدى إلى نزوح 12.1 مليون شخص، ومعاناة أكثر من نصف سكان البلاد من انعدام حاد في الأمن الغذائي.
وأشار أيضا إلى عرقلة المساعدات الإنسانية ومهاجمة القوافل واستهداف عاملي الإغاثة. وخلص إلى أن طرفي النزاع قاما باعتقال تعسفي لمدنيين واحتجازهم وتعذيبهم بسبب انتماء الضحايا العرقي أو آرائهم السياسية أو عملهم أو لزعم تعاونهم مع طرف النزاع الآخر.
وقالت جوي نجوزي إيزيلو عضوة البعثة: “نجد وراء كل حالة موثقة عائلة محطمة، ومجتمعا نازحا، وإنسانا نجا من عنف لا يمكن تصوره”.
وبحسب منى رشماوي، عضوة البعثة فإن “التقرير لا يشمل كشف الفظائع فحسب، وإنما يضع أيضا خارطة طريق في سبيل الوصول إلى العدالة”.
ودعت المجتمع الدولي إلى التحرك الآن لتنفيذ حظر على الأسلحة، ودعم تحقيق العدالة من خلال مساندة المحكمة الجنائية الدولية، وإنشاء آلية قضائية مستقلة للسودان، واستخدام الولاية القضائية العالمية لمساءلة الجناة، وضمان أن يتحمل المسؤولون عن ارتكاب الفظائع عواقب أفعالهم، بما في ذلك العقوبات المحددة.