تقارير

“مباحثات زيورخ”.. “عصا” أمريكية لكسر جمود السلام في السودان

تقرير 17 أغسطس 2025 – توقع وزير الخارجية السوداني السابق، علي يوسف، أن تعقب التحركات الامريكية بشأن الأزمة السودانية، خطوات إضافية تتضمن اتصالات ومفاوضات لرسم خارطة طريق تنتهي بوقف الحرب وإيجاد “صيغة سياسية” تضمن استقرار البلاد وتمنع تجدد الصراع.

يأتي ذلك تعليقاً على اللقاءات التي عقدها مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، كلا على حداه، في العاصمة السويسرية زيورخ، وفق تسريبات صحفية.

ورأى سياسيون سودانيون أن ما جرى في زيورخ، يمثل خطوة مفصلية يمكن أن تسهم في إنهاء الصراع الدائر بالسودان، إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية لدى الولايات المتحدة، خاصة بعد أن أمسكت بخيوط الأزمة بعيدًا عن الاعتماد الكبير على بقية دول الرباعية.

أولوية استراتيجية

قال وزير الخارجية السوداني السابق، علي يوسف، في تصريح لـ”دروب” إن اهتمام واشنطن بحل الأزمة وإعادة السودان إلى موقعه الحيوي في القارة الأفريقية يمثل أولوية استراتيجية لها، وفق ما أوضحته الإدارة الأمريكية، ومع ذلك يقول إنه “من الصعب التكهن  بقدرة أمريكا على حمل السودانيين بشكل مباشر الى إنهاء الحرب بلقاءات زيورخ الأخيرة”.

وتوقع يوسف أن يكون البرهان قد أبلغ “بولس” خلال لقاء زيورخ، التزامه بالسعي نحو وقف إطلاق النار، مضيفاً أن “ذلك مطلب رئيسي للأمريكيين من أجل السماح بمرور المساعدات الإنسانية، غير أن الحكومة السودانية على ما اعتقد ستتمسك بشرط انسحاب قوات الدعم السريع من المدن الى مواقع خارجها”.

ورجح يوسف خطوات إضافية تعقب لقاءات زيورخ تتضمن اتصالات ومفاوضات سياسية لرسم خارطة طريق تنتهي بوقف الحرب وإرساء سلام مستدام، إلى جانب صيغة سياسية تضمن استقرار البلاد وتمنع العودة إلى القتال، وفق قوله.

وأشار يوسف إلى أن مسعد بولس برز اسمه بعد ان حقق نجاحاً محدوداً في إدارة المواجهة بين رواندا والكونغو الديمقراطية، قبل أن يقترب تدريجياً من الملف السوداني.

وأضاف “تمثلت الخطوة الأولى في عقد اجتماع بواشنطن، لكنه جاء بعيداً عن الأطراف السودانية، الأمر الذي أدى إلى تأجيل التقدم فيه، ولاحقاً جرت اتصالات أثمرت عن اجتماع مباشر في زيورخ بين الإدارة الأمريكية، ممثلة في بولس، والطرفين السودانيين”.

ويعتقد يوسف أن اللقاءات الأخيرة حملت أهمية رمزية، حيث أتاح للأمريكيين فهم موقفي البرهان وقوات الدعم السريع بشكل أوضح.

وأشار يوسف الى أن عدم تطور العلاقات السودانية مع روسيا والصين في الفترة الأخيرة، سيفتح المجال لحدوث تحول كبير في العلاقات السودانية الأمريكية نحو شراكة أوثق، دون أن يعني ذلك بالضرورة تراجع النفوذ الروسي أو الصيني في السودان.

وقال: “الجهود الامريكية تكتسب أهمية مضاعفة بالنظر إلى موقع السودان في التنافس الدولي بين القوى الكبرى، فالولايات المتحدة تسعى إلى تقليص النفوذ الصيني في أفريقيا، والسودان يمثل ساحة محورية لهذا الصراع ولذلك من مصلحة السودان الحفاظ على سياسة التوازن في علاقاته مع واشنطن وموسكو وبكين”.

موقف الإسلاميين

وحول موقف التيار الإسلامي المتحالف مع الجيش السوداني، من التحركات الامريكية لوقف الحرب بالسودان، وإذا ما كانوا سيرفضونها، استبعد الوزير السابق أن يتمسك حزب المؤتمر الوطني بموقف رافض للحل السلمي.

وقال: “من غير المرجح أن يتخذ المؤتمر الوطني موقفاً عدائياً مباشراً من الدور الأمريكي، طالما أن السياسات الأمريكية تتجاوب مع تطلعات الشعب السوداني. على الأرجح، سيركّز الحزب على المطالبة بتوازن في العلاقات مع القوى الدولية، وهو موقف واقعي وإيجابي، خاصة أن الانحياز لطرف واحد في العملية السياسية قد يعرقل فرص الوصول إلى سلام حقيقي”.

ومع ذلك، أشار إلى أن الاسلاميين سيكونون حذرين على ضوء التجارب السابقة لمواقف الولايات المتحدة من الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، وفق قوله.

أما رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي، مصباح أحمد محمد، يرى أن عناصر النظام السابق سيكونون من أبرز التحديات امام الجهود الامريكية، مبيناً أنهم “أشعلوا فتيل الحرب وعملوا على إفشال المبادرات السابقة، لعلمهم أن أي عملية سياسية تفضي إلى سلام وتحول مدني ستقصيهم من المشهد”، وفق قوله.

وأضاف مصباح في تصريح لـ”دروب” أن “هذه الحرب أنهكتهم ماديًا ومعنويًا، وجعلتهم محاصرين دوليًا ومنبوذين داخليًا، مما قد يفتح الباب أمام فرض ضغوط كبيرة عليهم، بما في ذلك احتمال تصنيف بعض أجنحتهم المتطرفة كجماعات إرهابية لإضعاف قدرتهم على تعطيل مسار السلام”.

وتابع “في النهاية، يظل القرار الحاسم بيد البرهان والمؤسسة العسكرية، لاتخاذ الموقف الذي يحقق مصلحة السودان وشعبه عبر إنهاء الحرب وتحقيق سلام شامل يمهد لقيام حكم مدني كامل يرفع المعاناة عن المواطنين ويحقق تطلعاتهم في الحرية والسلام والعدالة”.

بارقة أمل

ووصف مصباح أحمد محمد، المشاورات التي جرت بين مبعوث الرئيس الأمريكي مسعد بولس مع الأطراف السودانية، بأنها “خطوة بالغة الأهمية” في إطار الجهود الأمريكية لإنهاء الحرب في السودان.

وأشار إلى أن اللقاءات بعثت بارقة أمل لدى السودانيين بإمكانية فتح مسارات للحل السلمي التفاوضي بعد شهور طويلة من الجمود والمآسي.

وبحسب مصباح، فإن الإدارة الأمريكية هدفت من هذه التحركات إلى أمرين رئيسيين هما “جس نبض القائدين والتأكد من مدى استعدادهما للعودة إلى طاولة المفاوضات، والوقوف على شروط ومواقف كل طرف تمهيدًا لبلورة رؤية توافقية تستعيد مسار التفاوض”.

وأضاف مصباح أن “هذا النهج يعكس أسلوبًا أكثر وضوحًا وواقعية مقارنة بالنهج السابق الذي اتسم بالتحركات المبعثرة وغياب آليات الضغط الفعّالة”.

وذكر أن اللقاءات على هذا المستوى الرفيع من التمثيل السياسي والدبلوماسي تعكس جدية واشنطن في السعي لتحقيق نتائج ملموسة تجنب تكرار الإخفاقات السابقة.

وقال: “لا يخفى أن الولايات المتحدة، بما تملكه من نفوذ سياسي واقتصادي وعلاقات دولية، قادرة على التأثير في مسارات النزاعات حول العالم إذا ما توفرت لديها الإرادة الحقيقية لاستخدام أدوات الضغط المتاحة”.

وشدد مصباح على أن نجاح المساعي الامريكية يتطلب من واشنطن ممارسة ضغوط قوية على الأطراف الخارجية لوقف دعمها العسكري والسياسي للمتقاتلين، بالتوازي مع دعم عملية سلمية تؤدي إلى سلام شامل وتحول مدني ديمقراطي.

من جانبه، يرى الكاتب والباحث في الشؤون السياسية والقرن الأفريقي، فؤاد عثمان عبد الرحمن، أن “لقاءات زيورخ” تؤكد أن واشنطن بدأت تتحرك بجدية أكبر لإيقاف الحرب عبر مسار سياسي تفاوضي، بعيداً عن الحسم العسكري. مشيرًا إلى أن استمرار القتال لا يزيد الأوضاع إلا تعقيدًا ويضاعف المخاطر الإقليمية.

وقال فؤاد في تصريح لـ”دروب” إن الآلية الرباعية (الولايات المتحدة، مصر، السعودية، الإمارات) ما زالت تعاني من تباينات واضحة دفعت واشنطن للتحرك المباشر لكسر حالة الجمود، مع إبقاء شركائها في دائرة المشاورات. وأضاف: “المؤتمر الوطني هو المستفيد الأكبر من استمرار الحرب، ولذلك يسعى لإطالتها وإفشال أي مسار تفاوضي، رغم محاولاته الظهور كطرف لا يمكن تجاوزه”.

ورغم أهمية خطوة زيورخ، أبدى فؤاد تحفظًا على قدرة الإدارة الأمريكية على إحداث تحول حقيقي في الأزمة السودانية، وقال: “الخطوة مهمة، لكنها لن تثمر ما لم تتوافر إرادة سودانية حقيقية لوقف الحرب، فالحل في نهاية المطاف بيد السودانيين أنفسهم، لا في العواصم الأجنبية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى