تقارير

“حزمة عراقيل”.. السلطات السودانية تكمم أفواه الإعلاميين في بورتسودان

دروب 13 مايو 2025 – ندد إعلاميون وناشطون سودانيون، بالقيود التي فرضتها السلطات في مدينة بورتسودان على القنوات الفضائية، التي شملت ضمن إجراءات أخرى حظر البث المباشر خارج مقار المؤسسات الإعلامية.

جاء التضييق على القنوات الفضائية التي تقوم بتغطية الأوضاع في السودان،  بالتزامن مع الهجمات التي تتعرض لها العاصمة الإدارية المؤقتة، بواسطة الطائرات  المسيرة  التابعة لقوات الدعم السريع.

منع  التغطية

أكدت مصادر “دروب” أن وزير الثاقة والإعلام خالد الإعيسر، عرقل عمل وسائل الإعلام، من تغطية الهجمات التي تعرضت لها مدينة بورتسودان بواسطة الطائرات المسيرة، حيث منعها من تصوير حرائق مستودعات الوقود الإستراتيجية التي استمرت نحو أسبوع.

كذلك منع الاعيسر ذهاب أي كاميرا أو مراسل صحفي إلى موقع الحدث منذ اليوم الأول للاستهداف، وسمح فقط بتصوير فندق “مارينا” الذي لم يتعرض  لتدمير كبير، وفق المصادر.

كذلك أشارت المصادر إلى أن السلطات الأمنية أوقفت مجموعة من الإعلاميين كانوا في طريقهم لتصوير مكان الحريق وقامت بحجز الطاقم لأكثر من ساعتين، قبل أن يُسمح لهم بالمغادرة، مع منعهم من التصوير في أي مكان بالمدينة.

وذكرت المصادر أن وزير الاعلام ظل يتدخل بشكل متكرر في عمل مراسلي القنوات الخارجية الموجودين في مدينة بورتسودان، ويضع قيودًا تعرقل عملهم، قبل أن يصل الأمر إلى منع الظهور في البث مباشر من الشارع العام أو التصوير من أسطح المباني العالية في المدينة.

كذلك تطلب وزارة الإعلام من مراسلي الفضائيات الخارجية تجديد التصديق كل أسبوع، بعد أن كان التصديق شهريًا قبل جلوس الاعيسر في مقعد الوزارة، وفق المصادر.

وأضاف أحد المصادر أن “الاعيسر أوقف عددًا من مراسلي قناتي العربية والحدث، بينما سمح للبعض، بحجة أن الموقوفين لم يلتزموا بالتوجهات العامة للبلاد وهي تتعرض لاستهداف من جهات خارجية”.

وتابع “عندما ذهب الاعيسر إلى مكان الحريق في مستودعات الوقود الاستراتيجية، قام بتصوير الحدث  بهاتفه الخاص وأرسل الفيديوهات لبعض القنوات لبثها، مما يؤكد أنه يحاول حجب الحقائق عن الرأي العام الداخلي والخارجي”.

وزير الاعلام السوداني، يلتقط صورة بالقرب من النيران المشتعلة في مستودعات الوقود ببورتسودان

احتكار التصريحات

لم تقف عراقيل وزير الاعلام امام عمل وسائل الاعلام عند هذا الحد، بل شكا الصحفيون المقيمون في بورتسودان من منعهم من أخذ التصريحات الخاصة من المسؤولين بالدولة.

وقال صحفيون يعملون من بورتسودان لـ”دروب” إن وزير الإعلام منع المسؤولين بالجهاز التنفيذي من التصريح لوسائل الإعلام، بحجة أن المعلومات يجب أن تخرج فقط من وزارة الإعلام ووكالة السودان للأنباء.

وفي فبراير الماضي، أوقفت السلطات المختصة عمل قناة الشرق بالسودان حيث منعتها من مباشرة نشاطها وأغلقت مكتبها بمدينة بورتسودان، قبل أن تسمح لها بالعودة بعد شهر من الأيقاف.

وكانت قناة “الشرق” كشفت عن التعديلات الجديدة على الوثيقة الدستورية والتي قضت بإضافة مقعدين للقوات المسلحة في مجلس السيادة، ليصبح عددها 6 بدلًا من 4، كما كان في السابق، ومنح قيادة الجيش صلاحية ترشيح رئيس مجلس السيادة والتوصية بإعفائه.

كذلك أعلنت السلطات وقف قنوات “العربية” و”الحدث” و”سكاي نيوز” من العمل داخل السودان، وفي وقت لاحق سمحت لقناتي العربية والحدث بالعودة، بينما ظل تعليق نشاط “سكاي نيوز” حتى اليوم.

قاصمة ظهر

اعتبرت سكرتيرة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين، إيمان فضل السيد، القيود التي فرضتها السلطات السودانية على عمل القنوات الإخبارية، “قاصمة ظهر” للعمل الصحفي، كما تعيق قدرة القنوات على تغطية الأحداث الجارية بشكل فوري وحُر.

وقالت فضل السيد في تصريح لـ”دروب” إن “البث المباشر يعتبر أداة حيوية لنقل الأخبار العاجلة وشهادات الشهود من قلب الحدث،  وأن تقييد هذه الأداة يؤدي إلى تأخير وصول المعلومات إلى الجمهور”.

وأشارت إلى أن عملية طلب الإذن وانتظاره قد تستغرق وقتًا طويلًا بينما الأحداث تتسارع، مما يجعل الرأي العام يتلقى المعلومات متأخرة أو منقوصة، حسب قولها.

وأضاف أن “القرار يفرض شكلًا من الرقابة  غير المباشرة على القنوات بلجوئها إلى ممارسة الرقابة الذاتية وتجنب تغطية مواضيع حساسة أو تلك التي قد لا ترضى عنها السلطات”.

وتابعت “هذا الإجراء يضع قيودًا إجرائية قد تحد من حق وسائل الإعلام في جمع ونشر المعلومات وهذا يمثل تقويضًا لمبدأ حرية الصحافة الذي يتضمن الحق في الحصول على المعلومات ونشرها”.

وقالت إن إجراءات السلطات السودانية تفقد القنوات ديناميكيتها في التغطية الفورية وتفقدها عنصر الآنية والإثارة الذي يوفره البث المباشر لتصبح التغطية الإخبارية أكثر اعتمادًا على التقارير المسجلة والمعدلة.

ومع احتمالية تضييق نطاق التغطية، ستجد القنوات الإخبارية صعوبة في نقل الأحداث المعقدة والمتغيرة بسرعة دون القدرة على التفاعل معها عبر البث المباشر من مواقع مختلفة، مما يقلل من تنوع وشمولية التغطية، وفق ايمان فضل السيد.

محاولات إطفاء الحريق المشتعل في مستودعات وقود ببورتسودان

دوافع أمنية

أكدت سكرتيرة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين، أن قرار السلطات السودانية بتقييد عمل وسائل الاعلام، صدر بدوافع أمنية غرضها تكميم الأفواه وفرض آلية جديدة لمساءلة ومحاسبة ومحاكمة الصحفيين.

وقالت: “ما يحدث من تضييق على الحريات الصحفية في السودان حالة من الإفراط في فرض القيود تضاف إلى الاستهداف الممنهج للصحفيين”.

وأكدت أن النقابة لم تتلق شكاوى من صحفيين تتعلق بالتضييق عليهم لكنها أشارت إلى أن “الصحفي المتواجد في بورتسودان يعيش في بيئة تجعله غير قادر على مجرد إبداء التذمر من قرارات السلطة مهما بلغت نسبة التضييق، كما أن النقابة لا تنتظر أن يبدئ الصحفيين اعتراضهم حتى تتفهم مدى التعقيدات والتحديات المفروضة على عملهم”.

وكانت نقابة الصحفيين السودانيين نددت في بيان سابق، بالإجراءات التي اتخذتها وزارة الإعلام، واعتبرتها تراجعًا خطيرًا في مسار حرية الصحافة والعمل الإعلامي بالبلاد.

شملت هذه الإجراءات وفق بيان البيان “فرض قيود صارمة على أنشطة القنوات الفضائية، واشتراط الحصول على تصاريح مسبقة لتسجيل إفادات من الشارع العام، فضلاً عن حظر البث المباشر خارج مقار المؤسسات الإعلامية”.

معاناة جديدة

بدوره، يقول الصحفي محمد الاسباط لـ”دروب” إن القرار الذي اتخذه وزير الإعلام بمنع مراسلي القنوات ووكالات الأنباء من العمل خارج مقراتهم إلا بإذن حكومي، يضيف معاناة جديدة لحالة المعاناة التي يعمل في ظلها الصحفيين في زمن الحرب.

وأضاف أنه “من المعلوم أن منح القناة أو الوكالة أو الصحيفة أو الإذاعة تصريحًا  يسمح لها بالعمل في أي مكان، لكن هذا القرار يعيدنا إلى مرحلة الحكم الدكتاتوري الشمولي الذي ثار عليه الشعب السوداني في 19 ديسمبر 2018، وأسقطه في أبريل 2019، وهو مخالف لكل المعايير والمواثيق والأسس التي يعمل بها الإعلام في أي مكان في العالم، ما عدا الأنظمة الشمولية والديكتاتورية”.

وأكد أن تقييد عمل الصحفيين، قراراً أمنياً وليس إعلامياً أو مهنياً أو احترافياً، يهدف إلى ممارسة مزيد من التضييق على الصحفيين وتعطيل عملهم، مبينا أن الإجراءات الحكومية بيروقراطية وتأخذ وقتًا طويلًا.

تحذير  ووعيد

وفي ديسمبر الماضي، دعا وزير الاعلام السوداني، المراسلين والصحفيين إلى “تنوير صحفي”، بعد أيام من تسميته وزيرًا، بحضور ضباط من جهاز الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات العامة، في ذلك اللقاء وجه الوزير “تحذيرات” للصحفيين من نقل أخبار قوات الدعم السريع، واعتبار ذلك “عدم وطنية”.

وتوعد الوزير وقتها بإغلاق وحظر أي مؤسسة إعلامية تنقل أخبار “الدعم السريع”، وقال “إذا حظرت مؤسسة إعلامية، فلن تعود للعمل في السودان مجددًا”.

وانتقد الإعيسر، بشدة  نقابة الصحافيين، واتهم عضويتها بتنفيذ أجندة سياسية معادية للسودان، وقال إن الصحفيين يستغلون صفتهم، من أجل أجندات سياسية، وهو ما رد عليه الصحفيون الحضور وعدوه “تهديداً وتقييداً” لحريتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى