كرسي الإرتزاق.. مناوي بين الماضي والحاضر

عزيز الدودو
من عجائب المفارقات أن يخرج علينا المدعو مني أركو مناوي، أحد صنّاع الفوضى وقادة التمرد، ليذمّ فعل التمرد نفسه ويصفه بالإجرام والتخريب. أيّ نفاق هذا؟ لقد عرفه السودانيون لعقدين من الزمن أميرا من أمراء الحرب وأحد مرتزقتها، متمرّدًا محترفًا للقتل وسفك الدماء. فهل كان مناوي خلال تلك السنوات قامة أكاديمية تُنير العقول، أم فنانًا يمتع الناس بجميل فنه، أم رجلًا كريمًا يغدق الخير بلا منّة؟ بل كان قاطع طريق، نهّابًا، ومتمرّدًا حتى النخاع!
وها هو اليوم، وبكل وقاحة، ينتقد التمرد ويتحدث عن قوات الدعم السريع بلهجة استعلائية، واصفًا إياهم بـ “الجنجويد”، بينما يعلم تمام العلم أن قوات الجنجويد، بقيادة موسى هلال، تقاتل جنبًا إلى جنب مع الجيش الذي كان هو نفسه يحمل السلاح ضده. إن تحالف مناوي مع هلال، ودعمهما المشترك لمؤسسة الدولة القديمة التي يزعم معارضتها، لهو قمة التناقض.
لولا الدعم السريع وقائده محمد حمدان دقلو، لما كان لمناوي موضع قدم اليوم. لقد مدّ له حميدتي يد العون بعد أن تشتت شمله وتضعضعت قوته. وبكل صفاقة يتحدث عن الدعم السريع بصفة “الجنجويد”؟ يا له من وقح! إنه يجلس الآن على كرسي الارتزاق، في المكان الذي كان يشغله من يسميهم “الجنجويد”، بينما هؤلاء “الجنجويد” المزعومون يقاتلون الآن دفاعًا عن الوطن والشرف والكرامة. “الجنجويد” ليست وصمة عار، بل هي وظيفة اضطلعت بها تلك القوات في لحظة تاريخية معينة.
سيُسجل التاريخ أن مناوي ليس إلا مرتزقًا خائنًا، باع قضيته وتنكّر لمن أحسن إليه ووقف بجانبه في أحلك الظروف. لكن الخائن سيجرّع من نفس الكأس، وسيذوق مرارة الغدر، وسينال جزاءه العادل، وسيُكتب عند الله خائنًا جبانًا.