دراما رمضان.. امكانيات محدودة تجسد واقع الحرب في السودان

دروب – 18 مارس 2025 – وسط نيران المعارك التي لا تهدأ منذ قرابة العامين، سعى دراميون سودانيون إلى صناعة أعمال درامية خلال رمضان 2025 ترسم واقع السودانيين الذين يئنون تحت وطأة القتل والنهب والتشريد منذ نحو عامين.
كانت الدراما السودانية قد شهدت انتعاشة كبيرة بعد أن تحررت من الرقابة والقبضة الأمنية في أعقاب سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير في أبريل 2019، لكنها تراجعت مرة أخرى بفعل الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023.
كما أدت الاشتباكات إلى تدمير أجزاء كبيرة من المسرح القومي السوداني، وتعرضت معظم دور السينما للنهب، وتشتت الدراميون بين نازحون يقيمون بمراكز الإيواء في الداخل أو لاجئين بدول الجوار.
وعلى الرغم من ذلك حاول منتجون صناعة أعمال تحت ركام الحرب والخراب الذي طغى على ملامح الحياة في البلاد، تجسد واقع مرير يعيشه السودانيون، وصفته الأمم المتحدة بأنه أكبر أزمة انسانية في العالم.
ولاقت بعض الأعمال الدرامية انتقادات من قبل المتابعين بسبب ضعف الجوانب الفنية، بينما أشاد آخرون بها كونها جاءت في ظل ظروف صعبة وامكانيات محدودة.
أبرز المسلسلات
من أبرز المسلسلات الرمضانية “ديالا” بطولة الفنان أحمد محمد الشهير بـ “أحمد الجقر” ويعكس المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه معظم السودانيين في قالب درامي.
أما مسلسل “هروب قسري” تدور أحداثه حول الانتهاكات التي يتعرض لها السودانيون من قتل واعتداءات مباشرة بالسلاح من قبل قوات الدعم السريع، كما يتناول الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنين جراء الحرب، ويرى البعض أنه من أفضل الأعمال رغم ضعف المعدات التي أنتج من خلالها، وهو من بطولة مصعب عمر المعروف بـ “زول سغيل” وهو صانع محتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتأليف وإخراج هيثم الأمين.
ويقدم مسلسل “صدمة حرب” للمخرج عبد الخالق الساكن تجارب قاسية ممزوجة بالأمل والتحدي للسودانيين خلال الحرب الدائرة في البلاد، ويبرز مسلسل “أقنعة الموت” للمخرج أبو بكر الشيخ، مأساة النزوح والانتهاكات جراء الصراع، ويعمل مسلسل “دروب العودة”، بطولة الممثل القدير موسى الأمير، وعوض شكسبير، على معالجة قضية الهجرة غير الشرعية والمخاطر التي يتعرض لها الشبان السودانيين أثناء هروبهم إلى دول الغرب.
جميع الأعمال جرى تصويرها بدولة مصر وتعرض على مواقع التواصل الاجتماعي، عدا مسلسل “صدمة حرب” الذي تم تصوير مشاهده بمدينة أم درمان على الضفة الغربية لنهر النيل، ويبث على قناة الزرقاء.
حقبة زمنية
مسلسل “هروب قسري” يوثق لحقبة زمنية مهمة في حياة الشعب السوداني في إشارة إلى فترة الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفق ومصعب عمر، منتج المسلسل وأحد أبطاله في حديث لـ “دروب”.
وأضاف مصعب المعروف بـ”زول سغيل” أنهم حاولوا تسليط الضوء على معاناة الناس من قتل ونزوح في ظل ظروف الحرب، فضلًا عن عكس الطريقة القاسية التي يهربون بها إلى دول الجوار بطرق غير شرعية لقلة الإمكانات، لافتا إلى أن إنتاج المسلسل جاء في ظل ظروف صعبة وضعف الإمكانيات نوعا ما ودون دعم من أي جهة.
ويرى الصحفي المختص في الشؤون الفنية، حسين علي، أن الدراما الرمضانية السودانية تحتاج إلى الكثير، مشيرا إلى أن الأفراد تطوروا كثيرا وبرز نجوم مثل محمود ميسرة السراج واسلام المبارك ووضعوا بصمتهم في الدراما على مستوى الوطن العربي، لكن المنظومة الدرامية الكاملة تحتاج إلى عمل كبير، بحسب تغييره.
وأوضح لـ “دروب” أن أعمال مثل “ديالا وهروب قسري” تعاني من أخطاء فنية كبيرة، كما أن مسلسل “أقنعة الموت” سعى لتسويق واقع سياسي منحاز لأحد أطراف الصراع، وشدد على ضرورة استفادة الدراميين الذين أجبرتهم الحرب إلى اللجوء خارج البلاد إلى الاستفادة من التجارب والخروج بأفكار واكتساب مهارات ومعارف جديدة لتقديم دراما حقيقية تعكس الواقع الاجتماعي داخل وخارج السودان خصوصا في فترة ما بعد الحرب.
محاصرة الحرب
من جانبه قال الناقد هيثم الطيب، إن أغلبية الأعمال الدرامية “يمكن أن نصفها بأنها في دائرة اجتهاد ومحاولات إنتاج، هناك نقص حقيقي في أدوات العمل المختلفة، نحن نحاول فقط إنتاج دراما سودانية وهي في الحقيقة مجرد صور مرئية متحركة هنا وهناك، الكتابة بها الأخطاء الكثيرة من لغة وتناول القضايا والحوارات وفقرها الواضح في الأبعاد الأربعة في لغة السيناريو “توضيح، توصيف، تحليل، تفسير” وتكاد تكون كل الأعمال المنتجة خلال هذا الموسم متفقة في ضعفها.
وأضاف في مقابلة مع “دروب” “نحن نفتقد مهنية في الكتابة أولا لنصنع الصورة المرئية وعليه ما يأتي بعد ذلك يخرج بذات الضعف لأن أساس العمل الدرامي (الكتابة بالمهنية والشكل الكامل لصناعة صورة درامية مرئية) هل عرفت صورة درامية؟ إذن الكتابة الفقيرة في أدواتها لا تفعل ذلك والأغلبية من الإنتاج يدخل في تلك الدائرة المليئة بضعف هنا ونقص هناك”.
وذكر الطيب أن أغلبية الأعمال الدرامية تعاني من ضعف لغة تناول القضايا يتبع ذلك ضعف في لغة الحوارات نفسها وتوصيفها للأشياء المختلفة، وشدد على أن الكتابة صناعة كاملة ولها أدوات ووسائل رئيسة ومساعدة وتفاصيل متحركة ورؤية واضحة، لكن افتقدنا كل ذلك، كيف سيكون تقييمها أو وصفها بغير عبارة اجتهادات فقط، ولا زالت في نفس الاجتهادات كل عام بلا تطويرية أو رؤية لرسم ملامح متميزة.. نحن نعمل على طريقة (بالضرورة نكون هناك)، وبالطبع هذه الطريقة العقيمة تضعنا أننا فاشلين كثيراً”.
وتابع “لم نصل بعد لطريقة ممارسة النقاش الدرامي لقضية ما بوضعها وصفيا ثم تناولها إجرائيا وبعد ذلك تفصيلاتها المتعددة وأشكال الصراع نفسها وتحليلية الأوضاع بشكل متحرك دراميا وليس بالطريقة التي نراها اليوم في أعمالنا تلك، وهي الطريقة التي تشبه صناعة صورة مرئية لتقارير إخبارية هنا وهناك”.
ونوه إلى أن الدراما السودانية لم تقدم للعالم جوابا لفكرة الحرب القاتلة وما فيها، مشيرا إلى أنه “لا يوجد مسلسل وضع الحرب في محاصرة تقييمية كاملة وناقشها بالشكل المهني كصورة وأبعاد ورؤية، وكان يمكن للحركة الإنتاجية أن تكون قيمة دبلوماسية وتعريفية بشكل الحرب التي كانت في وطننا وتضعها كصورة وأبعاد للعالم وهذا ما كنا نطمح فيه، ذلك يتحقق فقط لو كانت الأيادي التي تقوم بذلك ناجحة مهنيا وفكريا ولها الرؤية الراسخة في توظيف الصورة الدرامية إنسانيا ووطنيا، لكن الذي حدث إخفاق كامل وعلى ذلك قس”.