أنا ابن المرأة التي اغتصبها العسكر

لا أستطيع أن أصف لكم/ن،كيف غرزت طعنات الحياة كلها في قلبي لحظة واحدة،قطعة قطعة سقط قلبي عندما عرفت أن أمي تعرضت للاغتصاب على يد العسكر قبل خمسة وعشرين عاماً في الحرب. تلك اللحظات القاتلة تمزق الأمس في رحم الغد.ذلك الشعور الذي ابتلعني وأطلق سنان الألم والغضب والحزن في روحي الفريسة الدامية.
لماذا أنا؟! ولماذا يكون غيري؟ لأنني لم أكن هناك لحمايتها، لأنني لم أستطع أن أفعل شيئًا عندما كانت في أمس الحاجة إليَّ. هل كنت سأتمكن من إنقاذها لو كنت هناك؟
العنف الجنسي في سياق الحرب: جريمة متعددة الأبعاد
الاغتصاب في الحروب ليس مجرد جريمة جنسية. إنه أداة لتدمير كرامة الإنسان وإذلاله، وعندما يكون الضحية هو أحد أفراد عائلتي-أمي ياللهول، تصبح الجريمة حزمة الوجع اليومي. في هذه اللحظات المفخخة، لا أقدر أن أرى أمي كأي امرأة تعرضت للاغتصاب، أضمها كأمي، الحضن الذي أحتمي به،أفر إليه من نفسي و العالمين. عندما يسترق جسدها ويمسخ إلى ميدان للعدوان، فإنني أشعر بأنني فقدت جزءًا كبيرًا من نفسي. وحين أفكر،أحاول أن أحمل عنها بعض وجع تلك اللحظات، ينخر شريط الموت في رأسي: كيف كانت تتألم؟ كيف كانت تشعر بالعجز؟ كيف كنت سأحميها لو كنت هناك؟
عقدة الذنب: لماذا لم أكن هناك؟
إحدى أوجع المشاعر التي تأكلني هي عقدة الذنب. على الرغم من أنني لا أملك القدرة على تغيير ما حدث، فإنني لا أستطيع منع نفسي من اللوم. شعور الذنب ليس منطقيًا دائمًا، لكنني أشعر به وكأنني كنت المسؤول عن ما حدث. كان من المفترض أن أكون هناك لحمايتها، كان من المفترض أن أكون قوتها في تلك اللحظات، لكنني لم أتمكن من فعل شيء. أتساءل: هل كان من الممكن أن أفعل شيئًا؟ هل كان بإمكاني منع ذلك الألم؟ وفي داخلي أقول لنفسي إنني فشلت في حماية الشخص الذي أحببته أكثر من أي شيء آخر.
الصراع الأخلاقي: الدفاع عن أمي أو العيش في سلام؟
ثم يجتاحني الصراع الأخلاقي الورطة: كيف يجب أن أتعامل مع هذا الألم؟ هل يمكن أن أبحث عن العدالة بنفسي؟ كيف يمكنني أن أتعامل مع هؤلاء الذين ارتكبوا هذه الجريمة؟ هل من العدل أن أسعى للانتقام أو أعتبر أنني أحتاج إلى الانتقام من أجل أمي؟ من جهة أخرى، ماذا لو كان الانتقام سيؤدي إلى المزيد من العنف والمعاناة للآخرين؟ ما هو الموقف الأخلاقي الصحيح/المناسب/الموضوعي في هذه الحالة؟ كل هذه الأسئلة تعصف ذهني، وأنا أجد نفسي غارقًا في صراع داخلي لا ينتهي.
البحث عن الهوية في ظل الجريمة
في مثل هذه الظروف، يبدأ سؤالي الأساسي: من أنا الآن؟ هل سأظل مجرد ابن الضحية أم سأتمكن من بناء هويتي بعيدًا عن هذه الجريمة التي غيّرت حياتي؟ كيف أتعامل مع هذه الحكاية التي أحملها؟ أعتقد أن أكبر تحدي واجهني هو محاولة العيش مع هذه الجريمة في داخلي. كيف يمكنني أن أعيش حياتي بشكل طبيعي بينما هذا الألم يرافقني؟ هل يمكنني أن أستمر في بناء حياتي أو سأظل محاصرًا في ظل ما جرى لأمي؟
المغفرة والتعافي: طريق طويل نحو الشفاء
في النهاية، لا يمكنني أن أنكر أنني بحاجة إلى المغفرة. لكن المغفرة بالنسبة لي ليست مجرد قبول لما حدث أو التنازل عن حقي في الشعور بالعدالة. المغفرة تعني أنني سأحاول أن أتجاوز الألم، أن أتعلم كيف أعيش مع هذا الجرح الذي سيظل معي، لكن دون أن يحدد مسار حياتي بالكامل. المغفرة تعني أيضًا أنني بحاجة لأن أغفر لنفسي على ما شعرت به من عجز، وأن أقبل أنني لم أكن في المكان المناسب لحماية أمي.
بالطبع، طريق الشفاء ليس سهلاً. أحتاج إلى وقت طويل لإلتقاط نفسي وبناءها، لمواجهة هذه التجربة بطريقة تجعلني أقوى، وليس أضعف. التعافي لا يعني النسيان،إنما كيف سأتمكن من التعامل مع هذا الألم بطريقة أكثر صحة.
من الألم إلى الأمل
إن معاناتي قطعة من إحتراق أمي، وأخرى من نفسي أيضًا. معاناتي في كيفية التعامل مع هذا الواقع الذي أعيشه، وكيف يمكنني أن أستمر في الحياة بعد أن تم تدمير شيء كبير في داخلي. لكنني أؤمن أن هذه المعاناة يمكن أن تكون نقطة انطلاق نحو شيء أفضل. ربما لا أستطيع محو ما حدث، لكنني أستطيع أن أقرر كيف سأتفاعل مع هذا الألم، وكيف سأستخدمه لبناء حياة تكون أكثر قوة وصحة وعدالة وسلام، والأهم،ألا يحدث ذلك مجدداً لأي إمرأة.
محمد ودالسك