قتل واعتقال.. الصحفيون السودانيون يدفعون فاتورة الحرب

حقائق – دروب
تقلت الصحفية السودانية، سمر سليمان تهديدات بالتصفية الجسدية، من قبل عناصر في حزب المؤتمر الوطني المحلول بولاية كسلا شرقي السودان، وذلك بعدما دمغوها بموالاة تحالف الحرية والتغيير، وقوات الدعم السريع التي تخوض حربا عنيفة مع الجيش السوداني.
وجاءت التهديدات بحق الصحفية سمر سليمان، كنتيجة مباشرة لكتابتها الداعية إلى وقف الحرب، إذ يعتقد أنصار الحزب الحاكم على عهد الرئيس السابق عمر البشير، أن دعاة وقف الحرب هم بالضرورة مساندين لقوات الدعم السريع.
كانت سمر سليمان، نشطة في العمل الطوعي تجاه الفارين من القتال في ولاية الجزيرة إلى مدينة كسلا، في وقت تواصل فيه حملة توعوية بمخاطر الحرب وضرورة توقفها، مما أدى إلى زيادة التهديدات بحقها، الأمر الذي أضطرها إلى مغادرة بلادها والإقامة في دولة أوغندا تحت ظروف لجوء قاسية.
وإن كانت سمر نجت بالخروج إلى المنفى مثل مئات الصحفيين والصحفيات السودانيين، فإن 15 صحفيا وصحفية، بحسب نقابة الصحفيين السودانيين، دفعوا أرواحهم ثمناً للكلمة، وانضموا إلى عداد القتلى بنيران الجيش وقوات الدعم السريع، اللذين يُتهمان باستهداف ممنهج للصحفيين خلال الحرب المستمرة لأكثر من عام ونصف.
تسلسل الانتهاكات
في مارس من عام 2024 قُتل الصحفي خالد بلل، رميا بالرصاص داخل منزله في مدينة الفاشر، حيث اتهمت مجموعات متحالفة مع الجيش السوداني باغتياله على أساس العرق. بينما قُتل في يونيو من ذات العام الصحفي معاوية عبد الرازق ومعه ثلاثة من أصدقاءه في ضاحية الدروشاب شمالي العاصمة السودانية، حيث اتهمت قوات الدعم السريع بارتكاب الجريمة.
وقبلهما وفي أوقات متفرقة قُتل كل من “ماهر عبد الشافع – إذاعة زالنجي، حليمة سالم – تلفزيون سودان بكرة، عصام مرجان – مخرج تلفزيوني، عصام الحاج – مصور تلفزيوني، أحمد العربي، وهو مذيع بقناة النيل الأزرق، ومكاوي محمد أحمد الذي اغتيل خلال مجزرة قرية ود النورة بولاية الجزيرة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، بجانب حاتم مأمون، وعثمان الطاهر، وإبراهيم شوتايم، ومبارك ابوسن، الذي قتل في مدينة الفاشر، وعلاء الدين علي محمد أحمد”.
وفي اكتوبر 2024 أعلنت نقابة الصحفيين السودانيين، عن مقتل الصحفية منى صديق جابر، التي إثر قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، لمنطقة الكومة شمال دارفور.
وفي ديسمبر من عام 2024 قُتلت الصحفية في وزارة الاعلام بولاية الجزيرة ومراسلة صحيفة الميدان، حنان آدم، وشقيقها، على يد مسلحي قوات الدعم السريع في منزلهما بقرية “ود العشاء” بمحلية جنوب الجزيرة.
وقبل مقتل حنان بيوم واحد توفيت الاذاعية بخيتة آدم مسعود، إثر اصابتها بشظايا في مدينة الخرطوم بحري شمالي العاصمة السودانية.
وفي آخر سلسلة الجرائم بحق الصحفيين توفي في يناير الجاري الكاتب الصحفي والإذاعي يحيى حماد فضل الله، في مستشفى النو بامدرمان، نتيجة تدهور صحته بعد اعتقاله من قبل الجيش السوداني، وفق بيان لرابطة صحفيي دارفور.
انتهاكات متنوعة
ووجدت كل هذه الجرائم ادانات واسعة من جهات دولية ومحلية ونقابة الصحفيين السودانيين، التي أكدت في بياناتها وقوع أكثر من 500 حالة انتهاك بحق الصحفيين والصحفيات، تنوعت بين التهديد والاعتقال والاحتجاز التعسفي والقتل، مناشدة المنظمات الدولية المعنية بالضغط لحماية الصحفيين والصفيات في البلاد.
وتروي الصحفية سمر سليمان في مقابلة مع “دروب” “لقد تعرضت للتخوين والتهديد بالتصفية من قبل قيادي في حزب المؤتمر الوطني المخلوع، إذ وصفني بأنني دعامية وقحاطية، في إشارة منه إلى قوات الدعم السريع وتحالف الحرية والتغيير”.
وتلقت تهديدات من اشخاص مجهولين عن طريق رسائل نصية، مع اختراق هاتفها واستخدام صورها الشخصية في انتهاك صارخ لخصوصيتها، وعلى إثر ذلك دونت 8 بلاغات ضد اشخاص مجهولين يقودون هذه الحملات ضدها.
ومع استمرار التهديدات قررت الصحفية سمر سليمان مغادرة السودان، وفي طريق سفرها من كسلا إلى مدينة بورتسودان تعرضت إلى عمليات تفتيش قاسية وهينة –حسب قولها من قوات الجيش، وصل إلى حد استخدام تقنيات استعادة المحادثات والرسائل المحذوفة لفحص هاتفها النقال، ولم يعثروا على ما يدينها.
وتشير إلى أنها تقيم حالياً في العاصمة الأوغندية كمبالا كحال غيرها من اللاجئين السودانيين في هذا البلد، وقد وعدت بعض المنظمات المعنية التي تواصلت معها، بمساعدها، لكنها لم توفي بعد.
من جهته شدد عضو سكرتارية شبكة الصحفيين السودانيين خالد أحمد أن فترة الحرب شهدت استهداف ممنهج للصحفيين والصحفيات من طرفي الصراع، اللذين مارسا انتهاكات عديدة شملت القتل والتهجير والاعتقال والتعذيب.
ويقول أحمد الذي تحدث لـ”دروب” إن الهدف من هذا الاستهداف هو اسكات الصحافة والصحفيين عن نقل الحقيقة، مما فتح المجال لانتشار الأخبار المضللة وخطاب الكراهية، الأمر الذي يحتم على المجتمع الصحفي التكاتف وإطلاق حملة واسعة للوقف الحرب، والتصدي لاستهدافهم.
محاكمة المتورطين
ويضيف خالد “العالم يتفرج على قتل الصحفيين في السودان ولم يقوم بالتحركات الكافية لحماية الصحفيين السودانيين وتوفير أمكان آمنة لهم، ونحث الجهات المعنية بالضغط على طرفي الصراع لوقف استهداف الصحفيين والسماح لهم بأداء مهامهم وتقديم قتلة الصحفيين إلى محاكمة دولية”.
وكان الصحفي صديق دلاي، قد قضى أكثر من 7 أشهر في معتقلات الجيش السوداني بمدينة الدمازين بإقليم النيل الأزرق، بسبب مقال اتهم فيه الاستخبارات العسكرية بمقتل محامي تحت التعذيب في احدى معتقلاتها بمنطقة “العزازي” في ولاية الجزيرة، قبل أن يتمكن من مغادرة البلاد بعد إطلاق سراحه.
كذلك اعتقلت قوات الدعم السريع، في يونيو العام الماضي، الصحفي طارق عبد الله، وقبله في يناير من ذات العام اعتقلت مدير تحرير صحيفة الميدان هيثم دفع الله، لأكثر من 40 يوماً، قبل أن تُفرج عنهما نتيجة حملات ضغط.
ومع تصاعد الانتهاكات اضطر مئات الصحفيين السودانيين للفرار إلى دول الجوار.
من جهته، يقول رئيس رابطة الصحفيين السودانيين في أوغندا عز الدين أرباب لـ”دروب” إن عشرات الصحفيين والصحفيات الذين وصلوا إلى كمبالا بسبب الحرب يعيشون أوضاعاً صعبة لأن غالبيتهم فقدوا فرص عملهم، وأن الرابطة تسعى لخلق فرص جديدة لهم مع شركاء معنيين على المستويين الإقليمي والدولي.
وشدد أرباب أن الصحفيين السودانيين دفعوا ثمناً باهظاً جراء الحرب الحالية، فقد واجهوا القتل، والاعتقال والتشريد، مضيفا أنه “حان الوقت أن يتوقف هذا الاستهداف وينتهي الصراع في البلاد”.