قرارات البرهان.. تساؤلات حول الدوافع والأهداف

دروب 19 أغسطس 2025 – أثارت قرارات قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، المتعلقة بإحالة عدد من الضباط الكبار إلى التقاعد وإخضاع القوات المتحالفة مع الجيش لقيادته المباشرة، جدلاً واسعاً حول دوافعها وخلفياتها، وسط تفسيرات بعض القوى السياسية بأن القرارات جزءًا من الصراعات الداخلية للإسلاميين.
وطرحت قرارات البرهان تساؤلات عما إذا كانت مرتبطة بلقائه الأخير في زيورخ مع مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، أم أنها تأتي في إطار مناورة سياسية تهدف إلى تشديد قبضته على المؤسسة العسكرية والتخلص من منافسيه.
وحسب مصدر سياسي مقرب من دوائر القرار في بورتسودان فإن القرارات الأخيرة التي أصدرها البرهان لا تنفصل عمّا جرى في زيورخ.
وأضاف المصدر في تصريح لـ”دروب” أن “إحالة بعض قادة الجيش جاءت وفق تقديرات سياسية، قد يكون الهدف منها تعزيز سيطرة البرهان على المؤسسة العسكرية، والدليل أنه أبقى على رئيس هيئة الأركان في منصبه رغم أنه كان من المفترض تغييره بعد عامين”.
واستدرك أن هذه الإحالات قد تكون جزءاً من الإجراءات الروتينية السنوية الخاصة بالإحلال والإبدال، موضحاً أن “قرار إلزام التشكيلات المسلحة بالانضواء تحت إمرة القوات المسلحة، يحمل رسالة للخارج أكثر مما يستهدف الداخل، مفادها أن جميع القوات، سواء كتائب البراء بن مالك أو درع الشمال أو بعض الحركات المسلحة، تعمل الآن تحت قيادة الجيش”.
وفي السياق استبعد الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض اللواء د. أمين إسماعيل مجذوب، أي ارتباط بين قرارات البرهان الأخيرة واجتماعات زيورخ. وقال لـ”دروب” إن “هذه الإحالات لا تعدو كونها أكثر من إجراءات روتينية تخضع للوائح الترقية والإحالة التي تنظمها القوات المسلحة، والتي تشمل الاعتبارات الزمنية والصحية والأكاديمية”، مبيناً أن ما يتردد عن صلتها باللقاء مع بولس مجرد تكهنات غير مبنية على معلومات مؤكدة.
فصل من المناورة
من جانبه، اعتبر شهاب إبراهيم، الناطق باسم حزب التحالف الوطني السوداني، أن قرارات البرهان تحمل رسائل موجهة إلى المجتمع الدولي لتأكيد سيطرته على جميع المليشيات المتحالفة مع الجيش. لكنه لفت إلى أن “الدعم السريع نفسه كان خاضعاً لقانون القوات المسلحة قبل اندلاع الحرب”.
وأضاف إبراهيم في تصريح لـ”دروب” أن “إحالة ضباط من الدفعة 40، المحسوبين على الحركة الإسلامية، محاولة لإيصال رسالة بأنه تخلص من الإسلاميين، بينما في الواقع يسعى البرهان للحفاظ على نفوذه والالتفاف على خصومه”.
وأشار الباحث الأميركي كاميرون هدسون، عبر منصة “إكس” إلى أن “خطوات البرهان تبدو منطقية لتعزيز السيطرة على المكونات الأمنية، خاصة الإسلامية منها، ويمكن قراءتها كإجراء لبناء الثقة وإظهار قدرته للولايات المتحدة على ضبط العناصر الأكثر تطرفاً”.
غير كافية
من جهته قال القيادي في تحالف “صمود” ياسر عرمان، إن قرارات البرهان التي أزاحت بعض الضباط الاسلاميين عن المشهد أو في محاولة احتكار الجيش للسلاح غير كافية لوحدها وتتطلب مشروع وطني يحظى بالتوافق، يؤدي لانتقال مدني ديمقراطي وبناء الدولة.
وأشار إلى أن القرارات تطرح أسئلة أكثر من أجوبة، منها إذا ما كانت القرارات بداية لتوجه جديد، أو لها صلة باجتماع سويسرا والبحث عن المشروعية الداخلية والخارجية أولاً.
وأضاف “هل آتت القرارات لتعزيز قبضة القائد العام في إطار البحث عن دور مستقبلي له وللجيش في ترتيب جدول الحياة السياسية القادمة، أم هي مجرد تغيير وجه من وجوه الاسلاميين وإبراز وجه جديد من الصف الثاني”. وتابع “هل تعكس مجرد صراع داخلي في صفوف الاسلاميين بين كرتي ونافع”.
وأشار عرمان في تدوينه على “فيسبوك” إلى استحالة بناء القوات المسلحة او حتى إصلاحها كقوات مهنية ووطنية دون وقف وإنهاء الحرب. مبينا أن “بناء القوات المسلحة المهنية غير المسيسة والتي تعكس التنوع السوداني ولا تخوض حروب الريف لن يأتي إلا في إطار خطة شاملة لبناء الدولة وتوجهات جديدة في الحياة السياسية والاقتصادية والمحاسبة ومعالجة جذور القضايا التي قادتنا للحرب وبناء نظام جديد”.
وأكد أن تصفية وجود الإسلاميين داخل الجيش شرط رئيسي للاستقرار والديمقراطية والتنمية وإصلاح العلاقات مع بلدان الجوار والمجتمع الدولي. بجانب خضوع القطاع الأمني لسلطة مدنية ديمقراطية في مرحلتي الانتقال وبعده السلطة المنتخبة من الشعب والتي ستواصل الإصلاحات البنيوية والهيكلية للقوات المسلحة.
وأضاف أن “القوات المسلحة لن تكتب الدواء لنفسها بعيداً عن خطة مسنودة شعبياً وجماهيرياً وتحظي بتوافق وطني كافي”. مبيناً أن قرار خضوع القوات الأخرى والمليشيات للقوات المسلحة يتطلب انهاء الحرب حتى لا يمثل اي شخص في الوزارة ويتحدث بطول ووزن بندقيته، مطاباً بترتيبات جديدة تعمل على فصل صارم بين القطاع الأمني والحياة السياسية، وان يخضع القطاع الأمني للدولة وتكون السياسية في فضاء مدني سلمي لا يتحدث فيه الشخص على حسب طول بندقيته، وفق قوله.