أصدقاء دروب

تقسيم السودان: حين تتقاطع الجغرافيا مع التاريخ والسياسة

قراءة في جذور الانقسام وأثر التدخلات الخارجية

كتبت: تماضر بكرى

في التاسع من يوليو 2011، شهد العالم ولادة دولة جديدة في قلب أفريقيا: جنوب السودان. لم يكن هذا الحدث مجرد انفصال جغرافي، بل تتويجًا لمسار طويل من التهميش، والصراعات، والتدخلات، التي جعلت من الوحدة حلمًا مستحيلًا، ومن الانقسام واقعًا لا مفر منه.

وللنظر في اهم هذه المقتطفات لابد الوقوف علي هذه الفقرات…. بتروى

_إرث التهميش: غياب المشروع الوطني_

منذ استقلال السودان عام 1956، هيمنت النخب المركزية على السلطة، بينما ظل الجنوب يعاني من التهميش السياسي والثقافي والاقتصادي. لم تُبنَ دولة المواطنة، بل دولة المركز، حيث تُدار شؤون البلاد من الخرطوم، وتُترك الأطراف في دائرة النسيان.

_سياسات التعريب والأسلمة،_

خاصة في عهد الرئيسين جعفر نميري وعمر البشير، عمّقت الهوة بين الشمال والجنوب، وأفرزت شعورًا بالاغتراب لدى الجنوبيين الذين ينتمون إلى ثقافات أفريقية ومسيحية مختلفة. هذا التباين لم يُحتضن، بل أُقصي، ما جعل الانفصال النفسي يسبق الانفصال السياسي بسنوات.

_*الحروب الأهلية: نار لم تُطفأ*_

اندلعت أول حرب أهلية عام 1955، قبل إعلان الاستقلال، واستمرت حتى اتفاق أديس أبابا عام 1972. ثم تجددت الحرب عام 1983 إثر إلغاء الحكم الذاتي للجنوب، واستمرت حتى توقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005.

هذه الحروب خلفت أكثر من مليوني قتيل، وملايين النازحين، ودمارًا هائلًا في البنية التحتية. وقد ساهمت حكومة الإنقاذ في تأجيج الصراع بتحويله إلى حرب دينية، وصراع بين “الإسلام والكفر”، مما عمّق الشعور بالاضطهاد لدى الجنوبيين، وسرّع من خطوات الانفصال.

_التدخلات الخارجية: مصالح تتقاطع مع الانقسام_

لم تكن القوى الدولية بعيدة عن المشهد. الولايات المتحدة، على سبيل المثال، دعمت الحركة الشعبية لتحرير السودان، وسعت إلى فرض اتفاق السلام الشامل، الذي نص على إجراء استفتاء لتقرير المصير.

النفط كان أحد المحركات الأساسية. فجنوب السودان يملك نحو 75% تقريبا من احتياطات النفط، بينما البنية التحتية للتصدير تمر عبر الشمال. هذا التداخل خلق مصالح متشابكة، دفعت القوى الدولية إلى دعم الانفصال لضمان السيطرة على الموارد.

_*هل كان الانفصال حتميًا؟*_

رغم كل ما سبق، يبقى السؤال: هل كان الانفصال قدرًا لا مفر منه؟ الإجابة ليست بسيطة. فلو تبنت الحكومات السودانية سياسات أكثر عدالة وشمولًا، ولو أُنشئت مؤسسات تعكس التنوع الثقافي والديني، ربما كان بالإمكان بناء دولة موحدة على أساس المواطنة لا الجغرافيا.

لكن غياب المشروع الوطني، وتغليب المصالح الضيقة، وترك الهوية السودانية تتفتت بين القبائل والجهات، جعل الانفصال يبدو وكأنه نتيجة منطقية لمسار طويل من الإقصاء.

*ما بعد الانفصال: دروس لم تُستوعب*

اليوم، وبعد أكثر من عقد على الانفصال، يعيش السودان في دوامة من الأزمات: انقلاب عسكري، صراع دموي بين الجيش والدعم السريع، وانهيار اقتصادي. أما جنوب السودان، فلم يكن استقلاله نهاية المعاناة، بل بداية لصراعات داخلية جديدة.

الدرس الأهم هو أن بناء الدولة لا يتم بالشعارات، بل بالعدالة، والاعتراف بالتنوع، وتوزيع السلطة والثروة بشكل متوازن. فالوحدة لا تُفرض، والانفصال لا يُمنع، إلا إذا شعر المواطن بأنه جزء من وطن يحترمه ويحتضنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى