أصدقاء دروبتقارير

“حكومة تأسيس”.. خطوة رمزية أم بداية مسار تقسيم السودان؟

بقلم: عبدالمنعم العمرابي

أثار إعلان ما عُرف بـ”حكومة تأسيس” في غرب السودان خلال الأيام الماضية موجة واسعة من الجدل، وسط مراقبين انقسموا بين من يراها خطوة رمزية محدودة التأثير، ومن يحذر من أن تتحول إلى بوابة لتفتيت البلاد في ظل الحرب المستعرة منذ أكثر من عام ونصف.

الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع خلّفت فراغاً سياسياً وأمنياً في مناطق شاسعة من السودان. هذا الفراغ فتح الباب لظهور سلطات موازية تسعى لملء الحيز السياسي المتروك، ولعل إعلان “حكومة تأسيس” أبرز تعبير عن هذا الواقع الجديد.

لكن اختيار دارفور تحديداً مسرحاً لهذا الإعلان ليس أمراً عابراً، فالإقليم مثقل بتاريخ من النزاعات القبلية والتداخلات الاجتماعية المعقدة، وأي مشروع سياسي يتجاهل هذه الخصوصية قد يتحول إلى محرك لصراع جديد.

قلق إقليمي وحسابات دولية معقدة

تراقب دول الجوار—تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى—التطورات في دارفور بعين القلق، خشية أن يؤدي ظهور كيان سياسي جديد إلى حدود أكثر هشاشة، وتدفقات سلاح غير منضبطة، وصراعات عابرة للحدود.

هذه المخاوف ليست بلا أساس؛ فقد أثبتت تجارب ليبيا وتشاد أن الاضطرابات الداخلية يمكن أن تتحول سريعاً إلى تهديد أمني إقليمي واسع.

على الصعيد الدولي، تنظر قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأفريقي بحذر بالغ إلى أي ترتيبات قد تُضعف وحدة السودان الترابية. غير أن استمرار الحرب من دون أفق سياسي قد يفرض على بعض الأطراف التعامل مع “حكومة تأسيس” كأمر واقع إذا ما تمكنت من السيطرة على الأرض وتقديم خدمات أساسية للسكان.

هنا يبرز التحدي: كيف يوازن المجتمع الدولي بين التمسك بوحدة السودان والسيادة الوطنية من جهة، وضرورة التعامل مع واقع ميداني متغير من جهة أخرى؟

السيناريوهات المحتملة

1️⃣ حكومة أمر واقع: قد تترسخ سلطة “حكومة تأسيس” تدريجياً إذا حازت دعماً خارجياً وقدمت خدمات ملموسة للسكان.

2️⃣ التقسيم الفعلي: احتمال أن يتوزع السودان عملياً إلى ثلاث كيانات—الشمال، الجنوب المستقل منذ 2011، والغرب بقيادة جديدة.

3️⃣ تلاشي المبادرة: إذا عجزت الحكومة الموازية عن كسب الشرعية، قد تبقى مجرد خطوة رمزية تزول مع تغيّر الظروف.

4️⃣ التسوية الشاملة: السيناريو الأمثل يبقى في التوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب ويحافظ على وحدة البلاد، لكنه يتطلب إرادة سياسية غائبة حتى الآن.

تحليلات إضافية

  • البعد الاقتصادي: السيطرة على ثروات دارفور من ذهب ومعادن قد تكون المحرك الحقيقي خلف إعلان “حكومة تأسيس”.
  • تأثير تجربة الجنوب: استقلال جنوب السودان عام 2011 قدّم نموذجاً مُلهِماً للقائمين على المشروع الجديد.
  • دور الشباب والنازحين: ملايين النازحين وشريحة الشباب المحبطة في دارفور يمكن أن يشكّلوا قاعدة جماهيرية لأي مشروع يعدهم بالاستقرار.
  • الإعلام الرقمي: قد تلجأ “حكومة تأسيس” إلى وسائل التواصل لكسب شرعية رقمية، ما يفرض على الحكومة المركزية مواجهة إعلامية مضادة.

التحدي أمام بورتسودان

الحكومة المعترف بها دولياً، والمتمركزة في بورتسودان، تواجه تحدياً مزدوجاً: التعامل بجدية مع هذه التطورات دون استهانة، وفي الوقت نفسه طرح رؤية سياسية واقتصادية جاذبة لسكان المناطق الهشة، بعيداً عن الاقتصار على الرد العسكري أو الدبلوماسي.

دروس من التجارب المماثلة

ليبيا، الكونغو الديمقراطية، الصومال… كلها أمثلة تؤكد أن تجاهل موازين القوى على الأرض يفتح الباب أمام مزيد من التفتت والانقسام. والسودان ليس استثناءً.

إعلان “حكومة تأسيس” في غرب السودان ليس مجرد خبر عابر، بل مؤشر على مسار قد يقود إلى مزيد من التشظي إذا استمر غياب الحل السياسي. السودان اليوم يقف عند مفترق طرق: إما التسوية الشاملة التي توقف الحرب وتحافظ على ما تبقى من النسيج الوطني، أو الانزلاق إلى تقسيم جديد سيكون ثمنه باهظاً على الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى