أصدقاء دروب

السودان في اليوم العالمي للعمل الإنساني: حيث الإنسان محطم والإنسانية تقاوم

بقلم: تماضر بكري

في 19 أغسطس من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للعمل الإنساني، تكريمًا لأولئك الذين يضحّون من أجل إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة في أصعب الظروف.

لكن في السودان، هذا اليوم لا يُحتفل به بقدر ما يُستشعر كصرخة ألم ونداء استغاثة، وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة تهدد حياة الملايين وتختبر حدود الصبر والتضامن.

تتعدد الأزمات الإنسانية بلا أفق

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، يعيش السودان واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم:

– أكبر أزمة نزوح عالميًا: أكثر من 12 مليون شخص نزحوا داخليًا وخارجيًا، في موجة نزوح هي الأكبر في تاريخ البلاد.

– مجاعة رسمية: أُعلنت المجاعة في عدة مناطق من شمال دارفور، مع حصار مئات الآلاف من المدنيين في مدينة الفاشر، وسط انقطاع كامل للمساعدات.

– استهداف العاملين الإنسانيين: قُتل أكثر من 120 عاملًا إنسانيًا، معظمهم سودانيون، في ظروف مأساوية تعكس خطورة العمل الإنساني في مناطق النزاع.

– إخفاقات في توزيع المساعدات: في بداية الحرب، شهد السودان توزيعًا واسعًا للمساعدات الإنسانية، إلا أن بعضها تعرض للتلف نتيجة سوء التخزين، مما زاد من معاناة المتضررين في لحظة كانوا فيها بأمسّ الحاجة للدعم.

– انهيار مصادر الرزق: فقد نحو 5 ملايين سوداني وظائفهم في القطاعين العام والخاص، وتوقفت أنشطة أكثر من 60% من السكان عن العمل اليومي. وتشير التقديرات إلى أن 3 ملايين شخص فقدوا وظائفهم بشكل دائم، مما أدى إلى تدهور اقتصادي حاد وانعدام الأمن الغذائي لملايين الأسر.

تحديات العمل الإنساني

رغم الجهود البطولية للمتطوعين وغرف الطوارئ، إلا أن التحديات جسيمة:

– قصف مباشر للتكايا والمطابخ الجماعية التي تُطعم آلاف الجوعى يوميًا.

– اعتقال وتنكيل وسحب المعونات من المتطوعين ، في مشهد يُجرّم الإنسانية.

– قيود بيروقراطية خانقة من مفوضية العون الإنساني على غرف الطوارئ غير المسجلة، رغم أنها تُشكّل خط الدفاع الأول عن المدنيين.

– صعوبات في التمويل ، حيث أصبحت وجبة “البليلة” رمزًا للبقاء في صفوف طويلة من المحتاجين.

ولكن… بصيص أمل وسط الظلام

وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

رغم كل ذلك، هناك إشراقات تُثبت أن الإنسانية السودانية لا تزال حيّة، تجلّت في:

– تقدير دولي: الاتحاد الأوروبي أشاد بجهود غرف الطوارئ السودانية، واصفًا إياها بـ”الملهمة”.

– مبادرات محلية: توفير منظومات طاقة شمسية، تشغيل مراكز صحية، تنظيم حملات توعية بيئية، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للنساء والأطفال.

– تضامن مجتمعي: السودانيون يساعدون بعضهم البعض بطرق مذهلة، من فتح البيوت للنازحين إلى تنظيم حملات شعبية لإغاثة المناطق المنكوبة.

الإنسانية السودانية المتجذرة

في ظل الحرب، أظهرت المجتمعات السودانية تضامنًا إنسانيًا عميقًا، دفع الأمم المتحدة لتقديم شكر خاص للسودانيين على “إنسانيتهم المتجذرة” التي تتجلى يوميًا في مساعداتهم لبعضهم البعض.

فالسودان، رغم الجراح، لا يزال يُعلّم العالم معنى الإنسانية الحقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى