أصدقاء دروب

خطاب البرهان: إستمرار هيمنة منطق القوة والعنف

عزيز الدودو

لم يقدم خطاب البرهان الأخير أي رؤى جديدة، بل كرّس نفس الثوابت التي حكمت المؤسسة العسكرية والدولة السودانية منذ الاستقلال عام 1956. فجوهر السلطة ظل كما هو، معتمدًا على هيمنة العنف والقوة المسلحة كأساس للشرعية والحكم.

لا يمكن تمجيد البندقية ما دامت تُوجَّه ضد الشعب السوداني. لو أستُخدمت هذه البندقية في الدفاع عن الأرض والسيادة، كتحرير حلايب وشلاتين، لكانت جديرة بالتقدير. لكن للأسف، تحوّلت هذه البندقية على مدى سبعين عامًا إلى أداة لقمع الشعب وسفك دمائه، فكيف يُعقل تمجيدها وهي رمز للقتل والإذلال؟

ليس غريبًا أن يمجّد البرهان البندقية، فهي في نظره مصدر الشرعية الوحيد، وهو لا يعترف بأي شرعية أخرى، سواء أتت من ثورة شعبية أم من صناديق الانتخاب. هذه هي الحقيقة المُرّة في السودان: تداول السلطة بين وجوه جديدة، بينما تبقى المنظومة ذاتها، بكل ترسانتها القمعية، كما هي.

يبدو أن البرهان، بعد زيارته الأخيرة لمصر وما تلقاه من وعود دعم، قد استهان بثورة الشعب وطموحاته. لقد بدا عليه الرضا والثقة بعد هذه التطمينات، وكأنه وجد ضالته في الدعم الخارجي لضمان بقائه في السلطة.

وفي هذا السياق، يظهر البرهان مستعدًا للتخلي عن أي مكاسب وطنية مقابل ضمان دعم النظام المصري، الذي يسعى بدوره للسيطرة على موارد السودان وثرواته. ولا يستبعد أن يعمل السيسي جاهدًا لترسيخ حكم هذا “العميل” لضمان تحقيق مصالح بلاده.

تبقى مصر العدو التاريخي للسودان، مهما حاول البعض التغاضي عن هذه الحقيقة. فجذور الأزمة السودانية تعود إلى حقبة محمد علي باشا، وما تلاها من تغييرات اجتماعية وسياسية وثقافية فرضتها القاهرة. ورغم انسحاب القوات المصرية من السودان تحت الضغط البريطاني بعد حادثة اغتيال السير لي ستاك، إلا أن النفوذ المصري بقي خفيًّا، يتسلل عبر العملاء والمؤسسات الدينية والتعليمية، مثل البعثات الأزهرية وجماعة الإخوان المسلمين، التي ساهمت في تهيئة الأجواء للهيمنة المصرية.

والغريب أن النظام المصري يحارب الإخوان في مصر ، بينما يدعمهم في السودان كأداة لتحقيق أهدافه. فتمكينهم في السلطة يجعلهم أسهل للإبتزاز والتحكم، مما يحوّل السودان إلى ساحة لاستنزاف ثرواته وثروات شعبه لصالح النخبة الحاكمة في مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى