“وادي الهواد الزراعي”.. مشروع النهضة الذي يكتنفه الغموض

السودان/ صلاح السر 6 سبتمبر 2025 –
عشر سنوات مرت على قرار انشائه ولا زال الغموض يكتنف مشروع الهواد الزراعي بشمال السودان، فما بين تقاطع مصالح المجتمعات المحلية وغموض الإجراءات الرسمية أصبحت أحلام “مشروع النهضة” على شفا التبخر.
على الرغم من أن المشروع معني بالاستثمار الزراعي إلا أنه لا يتبع لوزارة الزراعة، فمنذ قرار الانشاء كان تابعًا لرئاسة الجمهورية في عهد الرئيس السابق عمر البشير، ثم تحولت تبعيته لاحقاً إلى مجلس السيادة، ما جعله خارج دائرة الإشراف والمراجعة المعتادة في مثل هذه المشاريع.
تقوم خُطة مشروع وادي الهواد الزراعي، بشمال السودان، على تحويل نحو خمسة ملايين فدان من الأراضي التي تعتمد في الغالب على الزراعة المطرية، إلى مشاريع مروية حديثة تستخدم تقنيات ري متطورة.
ويُعد المشروع واحداً من أكبر المبادرات الزراعية في السودان، ويهدف لأن يصبح أكبر مشروع زراعي متجاور في أفريقيا. غير أن الطموحات الكبيرة اصطدمت بواقع إداري وقانوني معقّد، ما جعله يتعثر منذ لحظة إعلانه. فمنذ صدور المرسوم الدستوري بإنشائه في عام 2015، ظل المشروع يراوح مكانه دون أي تقدم يُذكر.
فشل أم تعطيل ممنهج؟
يرى الخبير الزراعي صلاح ضرار أن فشل المشاريع الزراعية الكبرى يرتبط غالبًا بعدم وجود تفاهم واضح بين الدولة والمجتمعات المحلية. مبيناً أن مشروع وادي الهواد يُعد من أهم المشاريع الزراعية المقترحة في البلاد، لكن تنفيذه يواجه تحديات تمويلية وقانونية معقدة.
بحسب ضرار، الذي تحدث لـ”دروب” يقع المشروع على الضفة الغربية لنهر النيل ويمتد على طول خمس ولايات، ومن أبرز الإشكالات التي واجهته مسألة الحيازات الزراعية، إذ تُستغل الأراضي تقليدياً بالزراعة المطرية، ما يخلق عقبات أمام تحولها إلى أراضٍ مروية دون تسوية قانونية عادلة.

إدارة غامضة ومساءلة غائبة
منذ تعيين محمد عطا المنان، محافظًا للمشروع في العام 2016، حاول بناء علاقات مع الملاك المحليين، إلا أن غياب الشفافية في إدارة الملف، وتهميش أصحاب الحيازات في اتخاذ القرار، فاقم الأزمة، بحسب بعض أصحاب المصلحة.
“تكمن المشكلة في منهجية تعامل محافظ المشروع مع المُلّاك، إذ لم يُشركهم فعليًا في اتخاذ القرارات، كما شابت إدارته ضبابية في تبعية المشروع”، يقول أحد أصحاب الحيازات.
وأضاف في حديث لـ”دروب” “لا أحد من المُلاك يملك وسيلة تواصل مع محافظ المشروع، حتى اللجنة الشعبية لأصحاب الحيازات بمشروع وادي الهواد لا تملك وسيلة تواصل معه”.
وربما يفسر حديث المصدر الهوة بين متخذي القرار بإدارة المشروع وأصحاب المصلحة.
تواصلت “دروب” مع وزير الزراعة بولاية نهر النيل، صلاح كركبة، حيث توجد المساحة الأكبر للمشروع، إلا أنه اعتذر بحجة أنه “لا علاقة له بملف مشروع وادي الهواد ولا يملك معلومات عنه”.
خُطط متكررة
يقول سعد علي ود ضحوية، أحد الناشطين المحليين الذي أصبح لاحقاً رئيس اللجنة الشعبية لأصحاب الحيازات التاريخية في المنطقة، إن “محافظ المشروع يكرر نفس الخُطط سنوياً رغم فشلها، ولا يُعرف سبب استمراره في موقعه لقرابة العشر سنوات دون نتائج واضحة”.
وأضاف أن “إدارة المشروع هي السبب الحقيقي في فشله، لأنها تصر على منح الأراضي لمستثمرين دون مراعاة لمصلحة السكان المحليين، وتسعى لتحويل المشروع إلى شركة قابضة، على أن يمتلك الأهالي أسهُماً فقط، بدلاً من تمكينهم من أرضهم”.
ومع مرور الوقت، تفاقمت الخلافات بين الملاك المحليين وإدارة المشروع، خاصة مع تمسّك الأخيرة بتحويل المشروع إلى شركة قابضة يمتلك الأهالي فيها أسهماً فقط، بدلًا من تمكينهم من أراضيهم التاريخية.
يقول ود ضحوية: “الاختلاف الأساسي بين ملاك الأراضي وإدارة المشروع يتمثل في أن الإدارة تسعى إلى تحويل المشروع إلى شركة قابضة، وتحويل أصحاب الأراضي إلى مجرد مساهمين في الشركة.”
لا يخضع لوزارة الزراعة
وفي السياق، أوضح عبد الرحمن هوتر، وكيل وزارة الزراعة السابق في الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك، في تصريح لـ”دروب” أن مشروع وادي الهواد لم يكن من قرارات الحكومة الانتقالية، بل ورثته من النظام السابق، حيث صدر القرار الجمهوري بإنشائه في عام 2015 لصالح شركة الظاهرة الإماراتية.
وأضاف هوتر أن “المشروع لا يخضع لولاية وزارة الزراعة، بل كان تابعًا لرئاسة الجمهورية، ثم لمجلس السيادة بعد الثورة، وهو ما تسبب في غياب الإشراف الفني والمؤسسي المعتاد على مثل هذه المشاريع، كما بيّن أن وزارة الزراعة حاولت مراجعة الاتفاقية ضمن جهودها لتصحيح مسار عدد من المشاريع الاستثمارية، لكن الانقلاب العسكري أوقف تلك المراجعات”.
وأشار إلى تحول الاتفاقية لاحقاً إلى جهة تركية، خُصصت لها 2.4 مليون فدان من جملة 5 ملايين فدان هي المساحة الكلية للمشروع.
وفي مارس الماضي نشرت تقارير إعلامية أن حكومة نهر النيل وقعت اتفاقًا مع شركة قونية التركية لبدء العمل في مشروع وادي الهواد بمساحة تقدر بحوالي مليونين وخمسمائة ألف فدان.
وبحسب التقارير فإن المشروع يتضمن مدن سكنية للعمال وقرى سكنية لتجميع الاهالي إضافة لإنشاء مدينة صناعية للصناعات التحويلية.

ومنذ عام 2015، أبدت شركات عديدة رغبتها في الاستثمار في المشروع، أبرزها شركة “الظاهرة الزراعية القابضة” الإماراتية التي أعلنت عن خطة لاستثمار 2.4 مليون فدان بتكلفة تُقدّر بـ10 مليارات دولار. ثم طُرح المشروع في مؤتمر باريس عام 2021، لتعود الشركة الإماراتية مجددًا في نوفمبر 2022 عقب انقلاب المكون العسكري على الحكومة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.
يقول الخبير الزراعي، صلاح ضرار، إن “ما يعطل تلك المشاريع هو التصادم المستمر بين المستثمرين وأصحاب الحيازات، إذ يحصل المستثمر على التصاديق من الدولة، لكنه يُفاجَأ عند النزول للميدان بمزارعين تقليديين يزرعون الأرض فعلياً، مما يؤدي إلى تعطيل التنفيذ”.
رفض سياسي وشبهات فساد
واجه المشروع أيضاً اعتراضات من قوى مدنية عديدة، أبرزها الحزب الشيوعي السوداني، الذي وصف منحه لدولة الإمارات بأنه تم بلا شفافية، وفي سياق يهدد حقوق المجتمعات المحلية.
من جهته يقول القيادي بحركة حق، مجدي عبد القيوم كنب، لـ”دروب” إنهم “لا يعارضون الاستثمار بحد ذاته، بل يرفضون الطريقة التي يُدار بها الملف، والتي تفتقر إلى الشفافية، والمرجعية القانونية، وآليات تعويض الملاك تعويضًا عادلاً”.
وحذر كنب من أن استمرار المشروع خارج إطار المؤسسية والمحاسبة يعرض المصالح الوطنية للخطر، ويكرّس الاستغلال السياسي للمشروعات التنموية.
فيما يذهب الخبير القانوني أيمن أبو ساجد، الى أن قانون الاستثمار السوداني لا يسمح بتمليك الأراضي للمستثمر الأجنبي، وإنما يتيح فقط تأجيرها لفترات محددة تعود بعدها ملكية الأرض للدولة.
وتابع “تقع مساحات كبيرة من أراضي وادي الهواد ضمن “الحيازات”، وهي أرض ملك للدولة لكنها تُستخدم من قِبل الأهالي للمنفعة، ما يستوجب تسوية قانونية عادلة قبل تخصيصها للاستثمار”.
وأوضح أبو ساجد في تصريح لـ”دروب” أن أي مشروع استثماري يجب أن يخضع لإجراءات قانونية تشمل دراسة جدوى، وتحديد النشاط، والالتزام بفترة تنفيذ محددة، مع إمكانية سحب الأرض في حال التأخير. مؤكداً أن نزع الملكية لأغراض المنفعة العامة جائز قانوناً، شرط أن يكون مصحوباً بـ”تعويض عادل وشفاف”، وهو ما يفتقده مشروع وادي الهواد حتى الآن، وفق قوله.
إلا أن الخبير الزراعي صلاح ضرار يرى أن قانون الاستثمار السوداني مرن ويوفر تسهيلات حقيقية، لكنه لا يُفعّل كما يجب على أرض الواقع. حيث يشتكي المستثمرون – بحسب إفادته – من المطالبات غير الرسمية، وغياب الضمانات القانونية، وتذبذب سعر الصرف، وكلها عوامل تُضعف الثقة وتُعطل التنفيذ.
وفيما ينتقد ضرار السياسات الحكومية التي تفضل الإستثمار في البترول والذهب على الزراعة، يقول: “إذا ركزت الدولة على الزراعة بصورة مهنية واستقطبت رأس المال المحلي أو الأجنبي، يمكن للزراعة أن تسهم بنسبة تصل إلى 85% من الدخل القومي رغم أن البنك الزراعي يفرض فائدة تبلغ 2.5%، أي حوالي 30% سنوياً، وهي نسبة يصعب على المزارع البسيط تحملها “.



