أصدقاء دروبتقارير

لماذا لا تصدق بورتسودان مع جمهورها؟

خالد عمر يوسف، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني

المنظر السيريالي الذي غطى الساحة السياسية في الأيام الماضية، مثير للشفقة بحق وحقيقة. فقضية الحرب والسلام قضية جادة تمس أرواح وحياة كل أهل السودان، وهو ما يتطلب منهجاً مختلفاً يخرج من التباري في الكذب والمزايدات والخطابات الغوغائية التي لن تزيد الوضع في بلادنا إلا خبالا!

الحقيقة التي لا جدال حولها هي أن هنالك مفاوضات غير مباشرة تجري هذه الأيام للوصول لهدنة إنسانية، وفق خطة الرباعية التي أعلنتها في 12 سبتمبر الماضي، والتي وافق طرفا النزاع على التعاطي معها. هذا الأمر ليس سراً وقد سبقه لقاءات للمستشار الأميركي مع قائدي الجيش والدعم السريع، وأعلن عنه بوضوح عقب زيارة البرهان للقاهرة، حيث ورد في بيان الرئاسة المصرية الآتي:

“وأضاف المتحدث الرسمي أن اللقاء تناول أهمية الآلية الرباعية كمظلة للسعي لتسوية الأزمة السودانية، ووقف الحرب، وتحقيق الاستقرار المطلوب، حيث أعرب الرئيسان عن التطلع لأن يسفر اجتماع الآلية الرباعية الذي سوف يعقد في واشنطن خلال شهر أكتوبر الجاري عن نتائج ملموسة بغية التوصل لوقف الحرب وتسوية الأزمة.”

ما ورد في نص هذا البيان منذ 10 أيام واضح ومعلن، عليه فإن الحديث عن أن واشنطن لا تحتضن مباحثات لايقاف الحرب، وأن ما يجري هنالك هو حوار بين بورتسودان وواشنطن هو ادعاء لا أساس له، ولا يحترم عقول الناس ولا يصدق معهم.

عوضاً عن أن تصارح سلطة بورتسودان مكوناتها وجمهورها اختارت أن تتقافز بين قصص تتحور كل يوم في شكل مختلف. بدأت بالرسائل المضطربة لقائد الجيش الذي قال بأنه لا تفاوض، ثم أردف في ذات الخطاب أنهم مع التفاوض وفق رؤية حدد مرتكزاتها. ثم انتقل المشهد لبيان مجلس سيادة سلطة بورتسودان الذي نفى كلياً حدوث أي تفاوض، ثم انتقل لبيان خارجية بورتسودان الذي كشف عن ان وزيرها في واشنطن “لحوار مع الجانب الامريكي”، وهو أمر عجيب! اذ أنه اذا كان الأمر كذلك لماذا سافر سراً، ولم يعلن ذلك مسبقاً وكشف عنه بعد أن تكاثرت الأخبار عما يدور في واشنطن؟!

تتحاشى بورتسودان الحديث بصراحة عن التفاوض لثلاثة أسباب رئيسية في تقديري:

١- التعبئة الكبيرة التي قامت بها وسط جمهورها بأنها لن تفاوض أبداً، وشيطنة فكرة التفاوض نفسها وكل من ينادي بها. هذه التعبئة صعبت مهمتهم في الانتقال المفاجئ لمربع الانخراط الفعلي في التفاوض.

٢- إخفاء الرغبة المستحكمة لقادة معسكر بورتسودان بألا تنتهي الحرب إلا بإقرار نظام عسكري يضمن استمرار قادتها في السلطة، وهو أمر بدأت تكشف عنه تدريجياً هذه الأيام في كتابات منسوبيها المغلفة بشعارات “الدولة والسيادة والشرعية”!

٣- النفوذ المتزايد للمؤتمر الوطني وحركته الإسلامية داخل معسكر بورتسودان، وعدم رغبتهم في وقف الحرب مطلقاً لأنهم يتكسبون منها ويراكمون سلاحاً ونفوذاً لم يتح لهم بعد الثورة، وعليه فإنهم سيخربون أي مسار سلمي بغض النظر عن محتواه، فاستمرار الحرب غاية في حد ذاته لهذه الجماعة.

المخرج من هذه الدوامة واضح للغاية ولا يجب اضاعة الزمن في الالتفاف حوله. من الأوفق لسلطة بورتسودان أن تصارح جمهورها بالانخراط في التفاوض، وهو مسار معقد وصعب وليس مفروشاً بالورود. كما عليها أيضاً مصارحة الشعب السوداني والعالم بتصورها حول سودان ما بعد الحرب، فهذا شأن عام وليس خاص، ويجب ان يكون النقاش حوله في الهواء الطلق. اخيراً فإن غالب أهل السودان يتوقون ليوم ينتهي فيه هذا الكابوس وتعود حياتهم لطبيعتها، وقد وضح جلياً ان طريق السلام يصعب السير فيه بسبب الأشواك التي يزرعها المؤتمر الوطني وحركته الإسلامية باستمرار، مواجهة هذه المجموعة الإرهابية وفضح مخططاتها واضعاف قدرتها على التخريب، هو من متطلبات بلوغ السلام الشامل والعادل ووقف شلالات الدماء في بلادنا، هذا الواجب يجب ان يضطلع به كل راغب في إنهاء الحرب، فبغير وضوح الرؤية حوله ستظل بلادنا تغرق في هذه الدوامة الإجرامية لوقت طويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى