تقارير

حرب على أجساد السودانيين.. من يعوض “رامي” قدمه المبتورة؟

دروب 6 أبريل 2025 – لم يَدُر في خلد المتطوع السوداني رامي الهادي، أنه سيفقد أحد أطرافه ليودع جزءًا من جسده إلى الأبد، ويجد نفسه في حاجة إلى المساعدة وهو الذي كان متطوعًا لخدمة وإعانة الآخرين.

تعرض رامي لإصابة بشظية في ديسمبر من العام 2023 جراء القصف المتبادل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع داخل مدينة أمدرمان المأهولة بالسكان، حينما كان يتسامر مع أخوته وجيرانه في باحة منزلهم قبل أن تحيل القذيفة المكان إلى جحيم، حيث غرق الكثير في الدماء ونقل الهادي بإصابة بالغة إلى مستشفى النو التعليمي، ليقرر الأطباء بتر رجله اليسرى.

يمشي رامي اليوم بمساعدة عكازتين بعد أن عجز عن تركيب طرف صناعي، الذي بات يكلف 1500 دولار، بينما تخلت الدولة عن توفير الأطراف الصناعة وتركت معاقي الحرب من المدنيين لنفقتهم الخاصة.

قال رامي لـ”دروب”: “الوضع الاقتصادي صعب شديد، حتى مدخراتنا صرفناها في الأكل والشراب والعلاج، والآن الطرف الصناعي أقل واحد سعره 1500 دولار والوزارة لم توفر بعد أطراف صناعية مجانية”.

يقول متطوعون لـ”دروب” إن مستشفى النو الذي أجريت فيه عملية بتر ساق رامي الهادي يعمل بأدنى الإمكانيات، بينما تزداد أعداد المصابين يومًا بعد يوم.

ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد الضحايا الذين تعرضوا لبتر الأطراف نتيجة الإصابات بالقذائف العشوائية في حرب السودان، إلا أن الضحايا بالعاصمة الخرطوم يرجح أن يكون عددهم كبيرا نظرًا لشراسة المعارك التي شهدتها واكتظاظاها بالسكان.

وطبقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 100 هجوم استهدف مرافق الرعاية الصحية منذ بدء النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل نحو عامين، ما جعل الوصول إلى العلاج تحديًا كبيرًا لكثير من المصابين.

رامي مع أحد أصدقائه

صدمة

وخرج مصنع الأطراف الصناعية جنوب الخرطوم عن الخدمة في الأيام الأولى لاندلاع الحرب، ما أدى إلى مفاقمة معاناة الذين يفقدون أطرافهم جراء الصراع.

ولاحقاً افتتح الجيش مصنعًا لتركيب الأطراف الصناعية في مدينة بورتسودان شرق البلاد، بينما فتحت قوات الدعم السريع مصنعا آخر في نيالا غرب البلاد، ومع ذلك هناك نقص كبير في الأطراف الصناعية الأمر الذي يدفع الكثيرين للجوء إلى دولة مصر.

وعبر رامي الهادي (29 عامًا) وهو ناشط في العمل الطوعي، في مقابلة مع “دروب” عن صدمته عند فقدان أحد أطرافه قائلاً: “في البداية كنت مشوّشًا، إحساس غريب كونك تصبح فجأة شخصًا مختلفًا وسط الناس، إنه إختبارا قاسيا حتى في أبسط التفاصيل اليومية عند دخول الحمام، التحرك داخل المنزل، المشي في الشوارع، الصعود عبر أدراج المباني العالية”.

وأضاف أن “أكثر اللحظات التي أفتقد فيها رجلي هي عندما أحتاج إلى الاستناد على كرسي لدخول الحمام، أو عندما أضطر إلى ركوب ركشة أو المواصلات بدلًا من المشي إلى الأماكن التي كنت أصلها بالقدمين”.

الانسحاب من الحياة

لم يكن خيار الانسحاب من الحياة مطروحًا عند الهادي رغم الإصابة واصل القيام بدوره كمسؤول الإعلام وإدارة الصفحات في “تكية الخير فينا” في مشهد يعكس الارادة القوية لشخص كان يقدم العون للآخرين أصبح هو نفسه بحاجة إلى مساعدة.

وأشار إلى أن لقاءاته مع الناس بعد الإصابة كانت مشبعة بالعناق والدموع، وكأنهم يعيدون اكتشاف وجوده من جديد، لكنه تعلم أن التحديات الجديدة يمكن مواجهتها، لذلك بدأ في البحث عن كل ما يتعلق بذوي الإعاقة، الأطراف الصناعية، وحلول الحركة البديلة، كما يضع خططًا جديدة؛ يسعى للحصول على طرف صناعي أو شراء وسيلة تنقل خاصة بذوي الإعاقة، لكن ما يقلقه أكثر من الحركة هو مستقبله الوظيفي في بلد يصعب فيه توظيف هذه الفئة.

ورغم الألم الجسدي والنفسي، وجد الهادي سندًا من أسرته وأصدقائه، بينما ساعده تواصله المستمر مع الطبيبة النفسية د. نسرين على تجاوز الصدمة الأولى، ومع ذلك، لم يكن الدعم النفسي وحده كافيًا، بحسب قوله.

وفقًا لتقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” فإن أكثر من 19 مليون طفل في السودان محرومون من التعليم بسبب الحرب، بينهم آلاف فقدوا أطرافهم نتيجة القصف والاشتباكات المسلحة، وتؤكد التقارير أن الأطفال ذوي الإعاقة يواجهون تحديات مضاعفة، من صعوبة الوصول إلى المدارس إلى التنمر المجتمعي وغياب الدعم النفسي الكافي.

وتشير منظمة أطباء بلا حدود إلى أن الصراع المستمر في السودان تسبب في إصابات مروعة للمدنيين، بينهم حالات بتر متزايدة نتيجة القصف العشوائي وتأخر الرعاية الطبية. بينما تؤكد منظمة الإنسانية والإدماج أن الأشخاص ذوي الإعاقة هم الأكثر تضررًا من الأزمة الإنسانية، سواء كانت إعاقاتهم سابقة للحرب أو ناتجة عنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى