إدانة كوشيب… هل بدأت العدالة أم انتهت؟

كتبت / تماضر بكري
في لحظة طال انتظارها، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكمها بإدانة علي كوشيب، أحد أبرز قادة الجنجويد، في جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في دارفور.
لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن ليس عن كوشيب وحده، بل عن من صنع كوشيب؟ من دعمه؟ وأين هم اليوم؟
إدانة كوشيب ليست انتصارًا للعدالة بقدر ما هي إدانة لمنظومة كاملة ، استخدمت القتل والاغتصاب والتهجير كأدوات سياسية. كوشيب لم يكن سوى اليد التي نفذت، أما العقل المدبر، والسلطة التي أمرت، والدول التي غضّت الطرف، فلا تزال خارج قفص الاتهام.
من دعم كوشيب؟
من سلّحه؟
من وفّر له الغطاء السياسي؟
من أمره أن يحرق القرى ويغتصب النساء ويُهجر الآلاف؟
هؤلاء لا يزالون طلقاء، بعضهم في السودان، وبعضهم في الخارج، وبعضهم في مناصب رسمية أو شبكات نفوذ.
العدالة لا تُختزل في فرد، ولا تُكتفى بها في محاكمة واحدة.
العدالة الحقيقية تبدأ حين تُفتح الملفات المغلقة ، حين يُحاسب كل من شارك في الجريمة، حين يُعترف بأن ما حدث في دارفور لم يكن انحرافًا فرديًا، بل سياسة ممنهجة.
إدانة كوشيب يجب أن تكون بداية لا نهاية.
بداية لمحاسبة كل من تلطخت يداه بالدم ،
كل من أصدر الأوامر ،
كل من موّل وسلّح ،
كل من غطّى الجرائم سياسياً أو إعلامياً ،
كل من صمت حين كان يجب أن يصرخ ،
كل من تواطأ باسم المصالح أو التحالفات ،
كل من كان جزءًا من المنظومة التي صنعت الجريمة ، لا مجرد منفذ لها.
العدالة لا تُكتفى بمحاكمة اليد، بل يجب أن تطال العقل الذي خطط، والسلطة التي أمرت، والشبكة التي نفذت.
وإن لم يحدث ذلك، فإننا نخشى أن تتحول هذه الإدانة إلى ورقة تبرئة جماعية ، تُغلق بها الملفات، وتُنسى بها الجرائم، ويُقال للعالم:
“لقد حاكمنا أحدهم، فدعونا ننسى البقية.”
لكننا لن ننسى.
ما بقيت دارفور .
والتاريخ باقي لا ينسي.



