خطاب البرهان.. انتكاسات الداخل وضغوطات الخارج

(تقرير) 28 أكتوبر 2025 – فسرّ محللون عسكريون وسياسيون، خطاب قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، الأخير، بأنه “يعكس ضغوطاً نفسية وسياسية متزايدة تواجه القيادة العسكرية بعد سلسلة الانتكاسات الميدانية والضغوطات الخارجية لوقف الحرب.
وجاء الخطاب الأخير لرئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عقب انسحاب الجيش من مدينة الفاشر وما رافقه من ارتباك في المشهد الميداني والسياسي.
فبينما سعى البرهان لتأكيد استمرار القتال و”حماية المدنيين”. فسرّ البعض الخطاب بأنه محاولات لاحتواء صدمة التراجع العسكري ورفع الروح المعنوية داخل القاعدة المؤيدة للجيش.
وقال البرهان في خطابه إن “القيادة في الفاشر بما في ذلك لجنة الأمن، قدرت مغادرة المدينة نسبة لما تعرضت له من تدمير وقتل ممنهج للمدنيين، ويذهبوا إلى مكان آمن حتى يجنبوا بقية المواطنين والمدينة الدمار، ووافقنا على تقديراتهم”.
واعتبر الفاشر بمثابة “محطة من المحطات العسكرية فرضت عليهم كشعب سوداني وقوات مسلحة، لكن الجيش سينتصر؛ لأنه مسنود بالشعب، ويقاتل معه كل أبنائه في القوات المشتركة والمستنفرين، أنهم قادرون على قلب الطاولة كما فعلوا في السابق، وستحسم المعركة لصالح الشعب السوداني”.
وأضاف “نطمئن أهلنا بأننا عازمون على أن نقتص لكل شهدائنا، ولما حدث لأهل الفاشر. الجرائم التي ارتكبت في الفاشر وفي كل بقاع السودان على مرأى ومسمع العالم ومخالفات قرارات مجلس الأمن، وكل الأعراف الدولية، لا أحد يحاسب، نحن كشعب سوداني سنحاسب هؤلاء المجرمين”.
رسالة معنوية
يرى الباحث في شؤون شرق أفريقيا فؤاد عثمان، أن الخطاب “لم يعكس تحولاً نوعياً في مسار الحرب، بقدر ما مثّل رسالة معنوية لجمهور يشعر بخيبة أمل بعد خسارة مواقع استراتيجية في دارفور وشمال كردفان”.
وأوضح في حديثه لـ”دروب” أن البرهان “استخدم خطاباً إنسانياً يتحدث عن حماية المدنيين وتجنب الدمار”، في محاولة لإضفاء بعد أخلاقي على الانسحاب، لكنه في جوهره يعكس ضغوطاً نفسية وسياسية متزايدة تواجه القيادة العسكرية بعد سلسلة الانتكاسات الميدانية.
ويضيف عثمان أن الخطاب تزامن مع تحولات في الموقف الأميركي تجاه الأزمة السودانية، مشيراً إلى تصريحات كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون الإفريقية والعربية مسعد بولس، الذي تحدث عن نجاح اجتماعات واشنطن وترحيب الطرفين بوقف إطلاق النار الإنساني، إلى جانب تحذيره من تكرار السيناريو الليبي.
ويرى عثمان أن هذه التصريحات تمثل “إشارة واضحة إلى أن واشنطن بدأت تتعامل مع الصراع في السودان من زاوية إدارة الأزمة وليس الحسم العسكري”، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي يدرك أن الحرب دخلت مرحلة استنزاف طويلة وأن أي انتصار كامل لأي طرف بات مستبعداً.
النكسة لا تعني فقدان الإرادة
من جانبه، يقرأ الخبير الاستراتيجي الفاتح عثمان محجوب خطاب البرهان باعتباره ردّ فعل مباشر على خسارة الفاشر، أكثر من كونه إعلاناً لمرحلة جديدة من الحرب.
ويقول محجوب لـ”دروب” إن الخطاب “جاء ليؤكد أن ما حدث نكسة مؤلمة لكنها لا تعني فقدان الإرادة القتالية”، مشيراً إلى أن البرهان “حرص على طمأنة القوات النظامية بأن الجيش ما زال يمتلك زمام المبادرة، رغم الخسائر الميدانية الواضحة”.
ويرى محجوب أن الخطاب حمل رسائل متعددة الاتجاهات _إلى الداخل، لإعادة تعبئة الجبهة المؤيدة للجيش وتأكيد أن التراجع لا يعني الهزيمة، وإلى الخارج، لتحذير الداعمين لقوات الدعم السريع من المبالغة في تقدير قوتها، وللتأكيد أن أي مفاوضات مستقبلية يجب أن تراعي مكانة القوات المسلحة ضمن أسس خارطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية للأمم المتحدة.
وتوقع محجوب أن سقوط الفاشر قد يدفع القيادة العسكرية إلى إعادة ترتيب أولوياتها العملياتية، خاصة في جبهة غرب كردفان، التي تشكل حالياً مركز ثقل قوات الدعم السريع. قائلاً إن “نتائج المعارك هناك قد تحدد شكل التوازن العسكري والسياسي في المرحلة المقبلة”، مضيفاً أن “الجيش يحاول عبر هذه المعارك استعادة زمام المبادرة وفرض معادلة جديدة قبل أي تسوية محتملة”.
لا حسم عسكري
وبينما يرى المحلل السياسي د. مصعب فضل المرجي أن الخطاب حمل نبرة دفاعية أكثر من هجومية، حيث ان مضمونه يعكس إدراكاً داخل المؤسسة العسكرية بأن الحرب لم تعد قابلة للحسم الميداني، وأن الصراع بات يدور في دوائر السياسة والدبلوماسية أكثر من ساحات القتال.
وتابع في حديثه لـ”دروب” أنه يمكن القول إن خطاب البرهان مثّل محاولة لإعادة صياغة السردية العسكرية ضمن سياق سياسي متغير، يتقاطع فيه الضغط الدولي مع الحاجة المحلية لإبقاء الروح المعنوية مرتفعة، في وقت تبدو فيه ملامح التسوية قيد التشكّل بين عناد الميدان وواقعية السياسة.
وكان البرهان قال في خطابه إن القيادة الموجودة في مدينة الفاشر بما فيها لجنة الأمن كان تقديرها بأن تنسحب نسبة لما تعرضت له المدينة من تدمير وقتل ممنهج للمدنيين. وأضاف “وافقناهم على أن يغادروا المدينة ويذهبوا إلى مكان آمن حتى يجنبوا بقية المواطنين وبقية المدينة الدمار”.
وبث البرهان تطمينات إلى السودانيين، مؤكدًا العزم على المضي في القتال والعزم على الاقتصاص لما حدث في الفاشر، مضيفًا أن الجرائم التي ارتكبت هناك وفي كل السودان، قوبلت بالصمت من المجتمع الدولي.



