أصدقاء دروب

قراءة في المشهد السوداني بعيدًا عن الهتاف والاصطفاف

علاء الدين بابكر

من المؤكد أن الحرب الدائرة الآن ما هي إلا صراع حول السلطة وخطاب الطرفين الذي يدعم مواقفهما غير متسق تماما مع الحقيقة والواقع.

فقصة أن هناك طرف يحارب غزو خارجي وطرف آخر يحارب الفلول كلها خطابات مصطنعة ومزيفة قياساً على الواقع الذي عايشناه لوقت قريب ما قبل الحرب.

بالرجوع الى ما قام به الطرفان يوم 25 اكتوبر والسجل الأجرامي المشترك لهما  من قتل الثوار أثناء التظاهرات وفض الاعتصام أمام بوابات القيادة العامة ورئاسات الفرق في الولايات وغيرها من الجرائم التي ارتكباها نستنتج أن طرفي الأزمة يستندان على شعارات زائفة ومنافية الحقيقة والواقع.

قبل الحرب كان الطرفان منسجمين يتغزلان في بعضهما والفيديوهات المبذولة على الميديا خير دليل على ذلك.

الطرفان عبارة عن ممثلين كبار يتحملان كل الجرائم التي ارتكبت بحق الوطن وشعبه دمروا البلد وقتلوا ابنائه وشردوهم مابين لاجئ ونازح ونهبوا أمواله وأمنه واستقراره؛ ومن المؤسف حقاً أن للطرفين مشجعين يحاولون وضع مساحيق التجميل لكل ما هو قبيح.

بدأت هذه الحرب بين جنرالين يتصارعان حول تقاسم السلطة والنفوذ وتوسعت ودخلت أطراف ثانية كل حسب أجندته وأخدت اتجاهات مضرة بالوطن؛ اتجاهات جهوية ومناطقية وعشائرية.

الكيزان ساقوا جميع الأطراف الى ميدانهم وفرضوا شروطهم وأجندتهم ووسائلهم التي يفهمونها ويبدعون فيها.

ما حدث في الخرطوم غير معزول عن باقي المشهد لابد ان نقرأ المشهد بصورة كلية عندما دخل الدعم السريع ود مدني لم يدخلها (قنقر) كما قيل؛ بل دخلها بعد انسحاب الجيش بدون اي مواجهات وعندما احتاجها الجيش انسحب منها الدعم السريع بدون اي مواجهات وفي الحالتين تم الترويج لما حدث بالانتصار.

مرة اخرى انسحب الدعم السريع من الخرطوم بدون اي مواجهات لم نر صورًا لجثث أو عربات محروقة او غنائم تم الاستيلاء عليها بعد المعارك حتى تدعم لنا فرضية الانتصار.

تشير هذه القرائن إلى أن ما حدث ليلة 21 رمضان انسحاب وليس هزيمة.

الطرفان يتبادلان الأدوار ونحن نبلع الطُعم الذي تتم طباخته بإحترافيه هوليودية.

الدور الخارجي

مؤكد أن ما حدث فيه تقاطعات دولية انسحاب الخرطوم وانسحابات الجزيرة كلها قرارات خارجية مع ذلك الجهات الخارجية او الأطراف الخارجية التي تدعم الحرب ليست كتلة واحدة؛ تحمل في جوفها تناقضات يئن الجمل من حملها.

مثلاً جمهورية مصر العربية تدعم الجيش بشكل صريح والإمارات تدعم الدعم السريع بشكل صريح والمعلن كلاهما ضد مشروع الإخوان في السودان؛ الإمارات بالذات مشروعها الذي تعمل عليه القضاء على الإخوان في الاقليم؛ أما مصر فتحمل على رأسها (جرتين) هي ضد الإخوان داخل مصر ومتحالفة معهم في حرب السودان من أجل مصالحها؛ تعمل جاهدة لمساعدة الإخوان للاستيلاء على السلطة لتعطيل مسار الانتقال المدني الديمقراطي في السودان وقد نجحت في ذلك لأن مصر الدولة تخشي نجاح التجربة المدنية في السودان خوفاً من انتقالها الى مصر التي يحكم ويتحكم فيها الجيش وتريد عسكرة الدولة السودانية تيمناً بتجربتها؛ لا توجد قوى منظمة وبراغماتية تحقق لها هدفها غير الإسلاميين لذلك صبت جل تركيزها معهم.

فإذا تحقق لمصر ما تسعى إليه واستولى الإخوان على السلطة في السودان فسيكون لدى مصر خيارين إما التحالف معهم والاستفادة من موارد السودان او معاداتهم واختراقهم عبر إخوان مصر وفي ذلك لها تجربة طويلة وتسطيع أن تدير هذا الملف لما تمتلكه من تجربة ودهاء وخبث ومكر، وما يملكه اخوان السودان من استعداد للتنازل عن كل شيء للبقاء في السلطة.

تتفق الإمارات مع مصر أن عدوهما في السودان هو الانتقال المدني الديمقراطي  لكن لا تستطيع الإمارات ممارسة الدور التكتيكي الذي تلعبه مصر في مساعدة الإسلاميين على الوصول للسلطة لكن إذا وصلوا السلطة بطريقتهم اتوقع أن تستفيد منهم في مقايضة بعض المواقف وكل طرف ينخر في عظم التاني على شاكلة الأخوة الاعداء.

حتى تركيا وإيران اللتان تدعمان الجيش يمثلان محور واحد ويحملان أجندة مختلفة لكل أحلامه وأطماعه التوسعية التي تتناقض كلياً مع الآخر.

أما السعودية فلا تسطيع أن تتخلى عن الطرفين فهي تتمتع بعلاقة جيدة مع الضرتين تتواصل مع الجيش للحفاظ على ملف البحر الأحمر خصوصاً وجود عدوها اللدود إيران في صف الجيش ومجموعة الإخوان.

تتواصل مع الدعم السريع نسبة لملف عاصفة الحسم الذي أرهقها.

السعودية عادلة في تقسيم (الملايلة) بين الضرتين أحياناً تفكر بمسؤلية أنها لا ترغب في تقسيم  المؤسسة العسكرية والذي ينعكس بدوره في تقسيم البلد.

الدور القطري كبير لكن لا أحد يذكره؛ قطر سخرت كل امكانياتها وعلاقتها لدعم الإخوان؛ حددت هدفها دعم الاخوان سواء كانوا مع الجيش او الدعم السريع.

دول الجوار بكاملها لها يد في الأحداث الجارية في السودان يتوزعون على مساندة الأطراف ماعدا افريقيا الوسطى مشغولة بنفسها.

هذا واقع الأطراف الخارجية الفاعلة في المشهد السوداني واتجاهاتها.

ما بعد الخرطوم

اعتقد أن ما حدث في الخرطوم له تفسيران الأول دخول الأيادي السعودية وحلفائها نتوقع ان تستأنف محادثات جدة قريباً بصورة معلنة أو سرية لأن   الجيش لا يملك سببٱ لمقاطعة المحادثات مرة أخرى؛ لأن خروج الدعم السريع من الأعيان المدنية والعسكرية والمؤسسات الحكومية ومن محلية الخرطوم بالكامل حسب رغبة الجيش السابقة وأعطى الجيش فرصة بأن  لا يذهب  الى المفاوضات وهو مهزوم.

الافتراض الثاني أن الدعم السريع تخلى عن الخرطوم بالكامل والاتجاه نحو دافور وكردفان على غرار النموذج الليبي وتقسيم البلد بصورة فعلية الى شرق وغرب  وبالتالي  فإن هذا الخيار مقبول للطرفين لأنهما يريدان أن يحكما  السودان فقط أما خطابات السيادة والوطنية فهي خطابات مرحلية غايتها السلطة حتى لو كانت جزيرة توتي.

وفي قراءاتنا لما حدث لا نغفل سيطرة الإسلاميين على المشهد في الخرطوم بعد خروج الدعم  السريع للحد الذي شكرت فيه عناصر محسوبة على الثورة الكيزان على جهودهم في تحرير الخرطوم.

وتأكيداً لسيطرة الإخوان على المشهد بدأوا بتصفية العناصر المهنية والوطنية   داخل الجيش ومنهم المقدم حسن الذي يرفض أخونة القوات المسلحة ويعتقد أن هذه القوات مهنية يجب إبعاد الاخوان منها.

نصب بعض الإعلاميون سرادق عزاء على الميديا للمقدم حسن خلافاً لآلاف  السودانيين الذين قضوا في هذه الحرب العبثية.

الطرفان تقاتلا من أجل تقاسم السلطة والنفوذ بدأوا يشاهدون حلمهم السلطوي يضيع لصالح الإسلاميين الذين استفادوا من التناقضات واحكموا سيطرتهم على المشهد اتوقع أن يتحالف الجيش مع الدعم السريع لقتال الإسلاميين من أجل تحقيق حلم الجلوس على كرسي السلطة  وهذا  الافتراض سيفرز واقعا جديدا ويربك المشهد بالكامل.

فإن حدث هذا السناريو  لا استطيع أن أتنبأ أين ستقف  الحركات المسلحة الى صف (الجيش والدعم السريع) أم تقف إلى جانب الإسلاميين لأنها قوى براغماتية بلعت خطابها وخطها الذي حاربت من أجله عشرين عاماً وبدل الحياد والمساعدة في إيقاف الحرب وقفت في صف من قاتلته بالأمس، هؤلاء تجار حروب لا سقف أخلاقي لهم.

لا نغفل دور ما يسمى بالاتفاق الإطاري في تخريب وتعطيل الانتقال وتمهيده لانقلاب 25 أكتوبر وتتحمل القوى المحسوبة على الثورة مسؤولية ما حدث للسودانيين والسودان لان كاد معسكر الثورة أن ينتصر لولا الاتصالات الغير رسمية مع العسكر والسفارات التي قسمت قوى الثورة وأضعفتها.

كل طرف من أطراف الحرب يدعي أن السودانيين يدعمونه وفي الواقع السودانيين سئموا الحرب وينتظرون إيقافها ليعود المنزحين داخلياً إلى بيوتهم واللاجئين إلى وطنهم ويسكت صوت البندقية الى الأبد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى