يربط ثلاث دول.. ماذا تعني سيطرة “الدعم السريع” على المثلث الحدودي؟

دروب 11 يونيو 2025 – بعد عام من الحرب في السودان، انتقل الصراع بين إلى الحدود مع دولتي ليبيا ومصر، حيث أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على منطقة المثلث الحدودية، مما يثير المخاوف من تحول المنطقة إلى ساحة مواجهة إقليمية مباشرة.
وعقب أسبوع من المعارك الضارية قالت قوات الدعم السريع إنها “تمكّنت اليوم الأربعاء من السيطرة على منطقة المثلث الاستراتيجية، التي تُشكّل نقطة التقاء محورية بين السودان وليبيا ومصر، في خطوة نوعية سيكون لها ما بعدها على امتداد عدة محاور قتالية، لا سيما في الصحراء الشمالية” وفق بيان.
وأضاف البيان أن “انفتاح قوات الدعم السريع على محور الصحراء الشمالي يُعد تحوّلاً استراتيجياً في تأمين الحدود وحماية البلاد”.
وكان الجيش السوداني أعلن في وقت سابق لإعلان اليوم الأربعاء أنه أخلى منطقة المثلث الحدودي في اطار خطة دفاعية لمواجهة العدوان دون إعطاء تفاصيل.
تبادل الاتهامات
وسبق هذه التطورات اتهام الجيش السوداني، للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر بمساندة قوات الدعم السريع في الهجوم على المثلث الحدودي، معتبراً ذلك بادرة مستهجنة وغير مسبوقة وانتهاك صارخ للقانون الدولي.
وقال المتحدث باسم الجيش السوداني في بيان صحفي أمس الثلاثاء، إن هجوم قوات الدعم السريع جاء مسنوداً بقوات خليفة حفرت الليبية (كتيبة السلفية) مما اعتبره “بادرة مستهجنة وغير مسبوقة وانتهاك صارخ للقانون الدولي”.
بينما نفى الجيش الليبي بقيادة خليفة حفرت ما وصفه بمزاعم مهاجمته للأراضي السودانية، واعتبرها محاولة مفضوحة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية وخلق عدو خارجي افتراضي.
وانفتحت جبهة الحدود الشمالية الشرقية بعد هجوم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح المتحالفة مع الجيش السوداني، على دورية لكتيبة سبل السلام التابعة لقوات خليفة حفتر الأسبوع الماضي، ودارت معركة ضارية عقب وصول تعزيزات ليبية من الكفرة، وتمددت الاشتباكات سريعا إلى جبل العوينات، وصولاً إلى منطقة المثلث الحدودي.
وتفرض التطورات العسكرية على جبهة الحدود واقعا جديدا في حرب السودان في ظل تقاطعات حلفاء الجيش وقوات الدعم السريع الإقليميين، حيث تدعم الامارات ومصر جيش خليفة حفتر في ليبيا ويعد حليفهما الرئيسي في المنطقة، بينما يختلفان في السودان، إذ تساند القاهرة الجيش السوداني، فيما تدعم أبو ظبي قوات الدعم السريع.
ورغم الأهمية الاستراتيجية العالية للمثلث للعمق الأمني المصري، الا أن القاهرة لم تتدخل لوقف تقدم قوات الدعم السريع، وهو ما شكل نقطة توقف في المشهد السوداني، لكن ثمة من يرى أن العلاقات المتشابكة مع الامارات بالمنطقة حيدت مصر تجاه ما يجري على حدودها من عمليات حربية.
ما أهمية المثلث؟
المثلث الحدودي هو منطقة استراتيجية يشهد عمليات التنقيب عن الذهب بشكل تقليدي وليس به شركات للتعدين، ويضم سوقين كبيرين، ويمثل نقطة التقاء لحركة المسافرين من السودان إلى ليبيا، ومحطة للتبادل التجاري بين الدول الثلاث السودان، ليبيا، مصر، فجميع البضائع تصل من ليبيا بما في ذلك المشروبات الغازية، وفق ما جمعته “دروب” من مصادر محلية.
ويضم المثلث كبار التجار لديهم رؤوس أموال ضخمة تستثمر في شراء الذهب الذي ينتج من المناجم التقليدية، بينما تفتقد المنطقة لخدمات الكهرباء والاتصالات وتعتمد بشكل أساسي على أجهزة الإنترنت الفضائي ستار لنك، وجميع الذين يعيشون فيه رجال، ولا يوجد عنصر نسائي في المنطقة الصحراوية القاحلة إلا من بعض الأسر العابرة إلى ليبيا.
وذكر شاب سوداني سافر إلى ليبيا عبر المثلث هذا العام لـ”دروب” أن القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش السوداني تستخدم مركزا يسمى المحلية، كواجهة رسمية لتنظيم الحياة العامة وتفتيش الأشخاص المسافرين إلى ليبيا واخضاعهم إلى تحقيقات للتأكد من عدم تبعيتهم إلى قوات الدعم السريع.
وأوضح أن القوة العسكرية التي كانت تسيطر على المثلث منذ اندلاع الحرب في السودان هي القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح وبعض عناصر جهاز الأمن والاستخبارات، ولا توجد قوات من الجيش السوداني.
وذكر أن أقرب منطقة للمثلث في العمق السوداني هي منطقة الخناق نحو 70 كيلو شمال مدينة دنقلا في الولاية الشمالية على الجزء الغربي من النيل، وهي منطقة تعدين عن الذهب وتضم آلاف المعدنيين التقليديين، بينما توجد مساحات صحراوية شاسعة وخالية بين المثلث والخناق.
ويبعد المثلث عن مدينة دنقلا بالولاية الشمالية نحو 500 كيلومتر، ومن الكفرة الليبية نحو 350 كيلومتر يتم قطعها خلال 6 ساعات عبر سيارات من نوع توندرة.
وقال “المثلث قريب من الحدود الليبية والمصرية وداخل الأراضي السودانية، ولا يوجد جيش سوداني، فقط شهدت دورية واحدة على متنها جنود من الجيش السوداني بعد جبل عوينات بالقرب من الوصول إلى ليبيا”.
التخلص من المليشيات
من جهته، قال الخبير العسكري اللواء المعتصم عبد القادر إن حفتر يتحرك في شرق ليبيا بدعم من الامارات، وهو يتدخل الآن في محاولة لتشتيت جهود الجيش السوداني في كردفان ودارفور، وتهديد الدولة السودانية باستهداف الولاية الشمالية، مشيراً إلى قصف مدينة الدبة بالطائرات المسيرة يوم الثلاثاء.
وأضاف في حديثه لـ”دروب” “هناك تحرك ليبي رسمي للتخلص من المليشيات في حرب السودان، إذ يوجد بينهم لصوص وتجار مخدرات ومتشددون، وهدفهم الأساسي هو الحصول على المال والغنائم، لكن مع ذلك لن تستطيع هذه المليشيات السيطرة على أي شر من الأراضي السودانية”.
وشدد على أن الجيش السوداني أخلى هذه المنطقة لأغراض تغير الأوضاع العسكرية، فهناك حاجة إلى إعادة التخطيط والتموضع، ولا داعي للإبقاء على قوات برية في منطقة محاطة بالمدن الليبية القريبة التي توفر الامداد والاسناد، وفق قوله.
وتابع “تراجع دور قوات الدعم السريع كثيرا بعد فقدان جل قواته وامتناع القبائل في كردفان ودارفور لفكرة الاستنفار الجديد، وما يجري في المثلث الحدودي بمثابة محاولة أخيرة من قوات الدعم السريع للزج بمقاتلين أجانب بمبالغ مالية مغرية، لكن سيكون مصيرهم كسابقيهم”.
خيارات محدودة
بدوره، يقول الصحفي والمحلل السياسي مصطفى سري إن مثلث العوينات يعد منطقة استراتيجية لدول ليبيا ومصر والسودان تجاريا وامنيا، خاصة انها اصبحت معبر للمهاجرين من دول مختلفة الى اوروبا، ولان ليبيا والسودان يشهدان نزاعا داخل كل منهما فان التأثير الامني على الحدود أكبر حركة المواطنين والحركات المسلحة في البلدين، وميزة اخرى ان هناك حدود مشتركة بين ليبيا والسودان وتشاد تشهد توترات مختلفة.
وأوضح سري في حديثه لـ”دروب” أن الجانب المصري في هذا المثلث يمثل بؤرة توتر وانشغالات القاهرة حول مكافحة الارهاب ولديها كتيبة في تلك الناحية وبالتنسيق مع قوات خليفة حفتر والذي هو حليف بالنسبة لمصر خاصة أن الأخيرة ظلت تدعمه ومعها الامارات سياسيا وعسكريا في نزاعه مع الفصائل الليبية الأخرى.
وفي ظل هذه العلاقة المتداخلة بين الدعم السريع والامارات وخليفة حفتر والامارات، فإن سيطرة قوات الدعم السريع على المثلث سيعمل على تحييد مصر التي لم يعد أمامها خيار غير الدخول في مفاوضات مع الدعم السريع عبر أبو ظبي وحفتر لمعالجة انشغالاتها فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب في تلك الناحية، وفق سري.
وشدد أن قوات الدعم السريع لديها خبرة في العمل حول تلك الحدود منذ سنوات وعملت مع الاتحاد الاوربي في هذا المجال المتعلق بما يسمى ” مكافحة الهجرة غير الشرعية ” او عملية الخرطوم.