تقارير

فصل من معاناة السودانيين.. كيف هزمت “تغريد” ثنائية الحرب والمرض؟

دروب – 25 مارس 2025 – لم يكن في خاطر المعلمة السودانية تغريد محمد، التي عاشت مآسي كثيرة؛ أن تجد نفسها في كماشة معركتين في آن واحد، واحدة ضد مرض السرطان الذي ينهش جسدها وأخرى هي الحرب التي تعصف ببلادها لنحو عامين.

عقب اندلاع الحرب في البلاد منتصف أبريل 2023، تشتت ملايين السودانيين داخل البلاد وخارجها، وأصبحت الحياة اليومية معركة للبقاء، خصوصاً للنساء اللاتي يواجهن تحديات إضافية في النزوح والحصول على الرعاية الصحية.

لم تكن المُعلمة بالمرحلة الثانوية تغريد محمد 48 عاماً وأم لأربعة بنات، إستثناء، فقد وجدت نفسها لاجئة في دولة مصر تبحث عن الأمان والعلاج من المرض الذي بدأ يتمكن من جسدها، وقبل ذلك كانت قد أجبرت على النزوح داخلياً أكثر من مرة.

تروي تغريد لـ”دروب” جانب من محنتها وعزمها في التغلب ما ألم بها، تقول: “كنت نازحة في مدينة بورتسودان حينما بدأت أشعر بأعراض المرض، تعاملتُ معه بمسؤولية، ذهبت فورًا إلى مركز الأورام للفحص، وكان من المفترض أن أعود إلى مدينة الأبيض، ولكن كانت الطرق مغلقة بسبب الحرب”.

ومع تفاقم الوضع، اضطرت تغريد للبقاء في بورتسودان، حيث كانت ابنتها أيضًا مريضة وتحتاج إلى متابعة طبية، إلى جانب إجراءات استخراج شهادات بناتها التعليمية.

تغريد في مرحلة التعافي من المرض

الورم يزداد

أصبحت بورتسودان، ملاذاً لآلاف النازحين، في حين أنها لم تكن مهيأة لاستقبال هذا العدد الضخم، الأمر الذي أدى إلى ضغط كبير على الخدمات بالمدينة الساحلية فضلاً عن غلاء المعيشة.

كان الورم في جسد تغريد يزداد يوماً بعد يوم على مدى شهرين، وهي في انتظار وثيقة سفر تقدمت بها إلى القنصلية المصرية بمدينة بورتسودان، ولم يكن هناك خيار سوى الإسراع في مغادرة السودان وسط مخاوف المرض واللجوء والمصير المجهول.

بعد عناء وصلت إلى القاهرة، كان عليها البدء في علاج فوري، بكنها وجدت تكلفته غالية، قالت تغريد: “علاج السرطان مكلف جدًا، كل جلسة كيماوي كانت مرهقة، نفسيًا وماديًا، وأنا لا أعرف كيف سأكمل الطريق”.

خضعت لثمان جرعات من العلاج الكيماوي كانت مقسمة إلى 16 جلسة “كل جلسة كان لها ثمن، وكل حقنة كانت تُدفع بثمنها، “لحسن حظي أيضاً ظل إخوتي في الأبيض يدفعون المال رغم ظروفهم الصعبة، كذلك لم يتركني أقاربي وأصدقائي وحدي”، تقول تغريد.

وأدت الحرب إلى توقفت معظم المستشفيات التخصصية والحكومية في السودان عن العمل، وأصبح الحصول على العلاج تحدياً دفع العديد من مرضى السرطان المحظوظين للبحث عن بدائل خارج البلاد رغم التكاليف الباهظة.

وفقد السودان خلال الحرب 5 أجهزة للعلاج الإشعاعي كانت موجودة في ولايتي الخرطوم والجزيرة، ولم يتبق إلا جهاز واحد في مستشفي مروي شمالي السودان.

المعاناة أكبر

أضافت تغريد أنه “رغم أن الدعم الذي تلقيته كان هبة حياة، إلا أن المعاناة كانت أكبر من مجرد تكاليف العلاج الذي طالت فترته وكلفته، كنت قلقة، كيف سنعيش، وندفع الإيجار مع كل هذا، المعاناة المادية تسرق صحتك قبل المرض نفسه”.

رغم ألمها، تعتبر تغريد نفسها من المحظوظات، حيث تقول: “وجدت أشخاصًا ساندوني، لكن رأيت بأم عيني أناسًا آخرين عاجزين تمامًا، كانوا يتألمون ولا يستطيعون تحمل تكلفة العلاج”.

وتابعت “حاولت التواصل مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمات الإنسانية مثل كارتياس، مرسال وغيرها، لكن دون جدوى، المفوضية أعطتنا أسماء منظمات، لكن عندما حاولت الوصول إليها، لم أجد بابًا مفتوحًا، مهما اتصلت لا أحد يرد”.

بعد أن خضعت تغريد لعملية جراحية وعلاج إشعاعي، تشعر بتحسن، لكن معركة أخرى لا تزال في انتظارها وتقول “أنا الآن في مرحلة الاستشفاء، لكن الحرب لم تنتهِ، والشتات لم ينتهِ، والمصير ما زال مجهولاً”.

تفكر تغريد في مدينتها الأبيض، وحياتها التي تركتها هناك، مشيرة إلى أن “الحرب مأساة لمن فقدوا أرواحهم، ومن ظلوا على قيد الحياة دون وجهة، الناس فقدت كل شيء، بيوتها، أرزاقها، أحبابها، حتى البوصلة؛ لم نعد نعرف أين نذهب”.

تبدو تغريد صامدة رغم كل شيء، وتقول “أنا الحمدلله محظوظة بالذين يسندوني رغم الظروف، اليوم وأنا في مرحلة الاستشفاء، أتمنى أن تقف هذه الحرب فقط”.

ولا توجد إحصائية حديثة لأعداد مرضى السرطان في السودان، وكانت آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة صدرت في أغسطس 2022 أشارت إلى وجود 20 ألف حالة إصابة نشطة بالمرض، ثمانية بالمائة منها لأطفال.

وحذر أطباء سودانيون أكتوبر الماضي من أن “محدودية الوصول إلى خدمات علاج الأورام خلال الحرب الحالية يعرض حياة أكثر من 40 ألف مريض سوداني بالسرطان للخطر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى