تقارير

دعوات الاستنفار تعود بحرب السودان إلى المربع الأول

(تقرير) 1 نوفمبر 2025 – أعادت الحركة الإسلامية بالسودان كرة الحرب إلى المربع الأول بدعوتها إلى الاستنفار والتعبئة العامة، بعد نحو ثلاث سنوات إلا قليلاً من القتال الضاري وتداعياته السالبة على المدنين، متمثلة في القتل والنزوح وغياب الخدمات.

وكان الأمين العام للحركة الإسلامية، علي أحمد كرتي، قد دعا في رسالة صوتية بثتها قناة طيبة، إلى التعبئة العامة والاستنفار لاستمرار قتال قوات الدعم السريع. وهو ذات الأمر الذي ذهب إليه حزب المؤتمر الوطني بجناحيه بقيادتي إبراهيم محمود وأحمد هارون، اللذان أصدرا بيانين منفصلين يدعوان الشباب للالتحاق بمعسكرات التدريب للانخراط في قتال الدعم السريع.

بعدها شرعت أجهزة الحكومة في الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش في التنفيذ، حيث أعلن رئيس الوزراء كامل ادريس، في بيان “الاستنفار الشامل ومواجهة العدوان”. كما ظهر ولاة كل من القضارف وكسلا والشمالية ونهر النيل والبحر الأحمر، في بزاتهم العسكرية وهم يدعون إلى التعبئة والاستنفار وبعضهم وجه بتعليق الأنشطة الرياضية والثقافية. كما خُصصت خُطب أئمة المساجد من يوم أمس الجمعة إلى ذات الأمر.

وقد جاءت الدعوة للاستفار بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور يوم الأحد الماضي وما أعقبه من انتهاكات ضد المدنيين شملت اعدامات ميدانية واغتصاب نساء وفق مفوضيات الأمم المتحدة.

وجاءت سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في أعقاب فشل جولة المفاوضات التي استضافتها العاصمة الامريكية واشنطن بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي كانت مُخصصة لهدنة إنسانية لمدة ثلاث شهور تليها خطوات عملية لوقف الحرب وإطلاق عملية سياسية تقصي الحركة الإسلامية، وفق خارطة الطريق التي طرحتها الآلية الرباعية.

استنفار لأغراض دفاعية

تعليقاً على ذلك رأى الخبير العسكري، عمر أرباب، أن عمليات التعبئة والاستنفار التي تشهدها بعض الولايات قد لا تُحدث تغييراً جوهرياً في المشهد العسكري، موضحاً أن ما يجري يرتبط أساساً بتأمين المناطق المحلية أكثر من كونه استعداداً للتحرك نحو جبهات القتال، لأن “التحرك إلى مناطق العمليات في ظل الظروف الحالية يُعد مخاطرة كبيرة”.

وأضاف أرباب في حديثه لـ”دروب” أن هذه الإجراءات ستقتصر على مناطق محددة لأغراض دفاعية، لكنها – رغم ذلك – تعكس حالة من الاستنزاف المتصاعد واتجاه الصراع نحو مزيد من التعقيد وحرب طويلة الأمد.

ويحتدم الجدل بعد تجدد دعوات التعبئة العامة، وسط تحذيرات من أن مثل هذه الخطوات قد تؤدي إلى إطالة أمد النزاع وتعقيد فرص الحل السياسي.

وقال مواطنون تحدثوا لـ”دروب” إن عودة نداءات التعبئة بعد ثلاث سنوات من الحرب تمثل “محاولة لعرقلة جهود السلام وإطالة أمد الصراع”، مؤكدين أن دعاة الحرب يستغلون الأوضاع الإنسانية الصعبة التي خلفها دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة الفاشر.

وأوضح ناشط حقوقي – فضّل الإشارة إلى اسمه مختصرًا بـ”م.أ.س” – أن “دعاة التعبئة يستغلون معاناة المدنيين لتبرير استمرار الحرب، كما فعلوا سابقًا”، مضيفًا أن على القيادات الداعية إلى الحرب أن “تدفع أولًا بأبنائها المقيمين في الخارج قبل أن تطلب من الآخرين حمل السلاح”.

تحول خطير

من جهته حذّر المحلل السياسي د. مصعب فضل المرجي، من تداعيات هذه الخطوة، معتبرًا أن إعلان الحركة الإسلامية للتعبئة يمثل “تحولًا خطيرًا في طبيعة الصراع” لأنه ينقل المواجهة من إطارها العسكري إلى بعدٍ أيديولوجي وتنظيمي قد يعمّق الانقسام داخل المجتمع السوداني، وفق قوله.

وقال المرجي لـ”دروب” إن هذا التحشيد يعكس “محاولة لاستعادة النفوذ السياسي عبر البوابة العسكرية”، محذرًا من أن إدخال القوى الحزبية والعقائدية في ساحة القتال “يعني عمليًا عسكرة السياسة وتسييس المؤسسة العسكرية”، الأمر الذي يهدد بإطالة أمد الحرب وتوسيع رقعتها الجغرافية.

وأكد أن المخرج من هذا المسار “يتمثل في تحييد القوى السياسية والدينية عن الصراع المسلح، والعودة إلى طاولة حوار وطني شامل يضمن وحدة الدولة ويحول دون تفككها الكامل”.

تفكك النسيج الاجتماعي

بدوره قال الباحث في شؤون شرق أفريقيا، فؤاد عثمان، إنّ السودان، مع اقتراب الحرب من عامها الثالث، يشهد تفككاً مريرًا في نسيجه الاجتماعي وتحوّلاً مأساوياً في وضعه الإنساني والبُنيوي.

وأوضح أن الشعب يتنقل اليوم بين قتيل وجريح ونازح ولاجئ، فيما تتصاعد خطابات الكراهية والعنصرية والانقسام السياسي والاجتماعي، وتتحول المرافق الحيوية والبنية التحتية إلى ركام.

وأضاف عثمان أن “استمرار الطرفين وحلفائهما في وهم الحسم العسكري يعني مزيداً من الحسرة وضياع مستقبل بلدٍ كان مأمولاً أن يكون سلة غذاء للعالم”.

وحذّر فؤاد  في حديثه لـ”دروب”من أن ما نشهده من تعبئة واستنفار وعسكرة للحياة العامة يغذّيه مسلسل الانتهاكات من الطرفين، مشيراً إلى الانتهاكات المروعة التي رُفعت بعد دخول قوات الدعم السريع إلى الفاشر وما قَبْلها، والتي عززت دعوات التحشيد.

وقال “إذا أصرّت الأطراف على المضي في غيّها فإننا سنشهد موجات أوسع من القتل والانتهاكات والدمار، وتصاعداً في دورات التعبئة والتعبئة المضادة، وقد تتجاوز تبعات ذلك السيناريوهات التي شهدناها في دول مجاورة مثل الصومال وليبيا”.

وختم فؤاد عثمان بدعوةٍ حازمة لفرض إرادة السلام وفرض حصار وضغط على آليات الحرب بالسلاح، مؤكداً أن الحلّ لا يكون إلا عبر الوصول إلى اتفاق سلام شامل ومستدام وعادل، ينهي أسباب الصراع من جذورها ويجعل هذه الحرب — ولأجلٍ نهائي — آخر حروب السودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى