تقارير

بعد بابنوسة وهجليج.. أين تتجه كرة الحرب المتدحرجة في كردفان؟

(تقرير) 8 ديسمبر 2025 – قلصت قوات الدعم السريع مساحات سيطرة الجيش السوداني في إقليم كردفان، بعد ان أخرجته من بابنوسة وهجليج خلال أسبوع واحد. وسط تحذيرات من نقل المعارك في الفترة المقبلة إلى “الدلنج وكادقلي”، المحاصرتين منذ فترة الحرب، في صورة تكاد تطابق ما جرى في الفاشر وبابنوسة، وفق خبير أمني.

لم يكن سقوط مدينة بابنوسة مجرّد تطوّر عسكري عابر في خريطة الحرب السودانية، بل شكّل نقطة انعطاف استراتيجية كشفت عن اتجاهات جديدة للصراع وربما مآلات أكثر خطورة على المدنيين.

في الحرب السودانية، قد لا تُقاس النتائج بعدد المدن الساقطة فحسب، بل بما تعنيه جغرافيًا وسياسيًا في معادلة النفوذ وإعادة التموضع للأطراف العسكرية.

وبخروج قوات الجيش من “بابنوسة وهجليج” تصبح قوات الدعم السريع قد بسطت سيطرتها على كامل ولاية غرب كردفان. وأجزاء كبيرة من ولاية شمال كردفان عدا الأجزاء الشرقية منها بما فيها عاصمة الولاية مدينة الأبيض.

وفي جنوب كردفان لا زال الجيش السوداني، يحتفظ بمساحات واسعة من حدود سيطرته، فلا زالت هناك فرقتان عسكريتان هما الـ”14 كادوقلي و الـ10 أبوجبيهة” بكامل ألويتهما في قبضته، ما عدا اللواء 53 بمنطقة هبيلا، تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

إشارات مزدوجة

قال المحلل والخبير العسكري والاستراتيجي د. الفاتح عثمان محجوب، إن انسحاب الجيش من بابنوسة وهجليج، يحمل إشارات مزدوجة؛ أولها أن “الدعم السريع لا يزال يحتفظ بقدرة قتالية عالية، وأن الحديث عن القضاء عليه عسكريًا بصورة نهائية ما زال – في المدى المنظور – بعيد المنال”.

وأضاف محجوب في تصريحات لـ”دروب” أن “ما جرى يعكس في المقابل تحوّلًا في استراتيجية الدعم السريع نحو تثبيت السيطرة في مناطق حواضنه الاجتماعية في دارفور وغرب وجنوب كردفان، ما ينذر بنقل مركز ثقل المعارك خلال الفترة المقبلة إلى الدلنج وكادقلي، اللتين ظلّتا في حالة حصار غير معلن منذ اندلاع الحرب، في صورة تكاد تطابق ما جرى سابقًا في الفاشر وبابنوسة قبل سقوطهما” وفق قوله.

وحذّر محجوب من أن المرحلة المقبلة قد تحمل اندفاعًا كبيرًا باتجاه الأبيض، عاصمة شمال كردفان، ما لم يفلح الجيش في تنفيذ مناورة مضادة عبر اختراق غرب كردفان والتقدّم نحو دارفور لقلب ميزان المواجهة ميدانيًا.

وذكر أن “سقوط هجليج وبابنوسة، رغم أهميته الميدانية، لا يُحدث تحولًا استراتيجيًا حاسمًا في ميزان القوة الكلي بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكنه يُمثّل تطورًا بالغ الخطورة لأنه يعني فعليًا خروج كامل ولاية غرب كردفان من سيطرة الجيش.”

وحذّر الفاتح من أن “هذا الواقع يعزّز سيناريوهات التفكك والانقسام الجغرافي، خاصة إذا لم يتمكّن الجيش من استعادة الولاية خلال الفترة القادمة، وقبل انطلاق أي مفاوضات مرتقبة برعاية المبادرة السعودية – الأمريكية، والتي من المرجّح أن تُعيد ترتيب المشهد السياسي والعسكري وفق خرائط السيطرة الفعلية على الأرض.”

تطور مفصلي

من جهته، أوضح الخبير العسكري العقيد عمر أرباب، أن بابنوسة “مدينة حاكمة” وفق المصطلحات العسكرية، بحكم موقعها الجغرافي الذي يجعلها عقدة مواصلات استراتيجية؛ مبيناً أنها ملتقى طرق، وتتقاطع عندها خطوط السكة الحديد المتجهة جنوبًا نحو واو وغربًا باتجاه نيالا، ما يمنحها دورًا محوريًا كنقطة تحكّم لوجستي في الإقليم، وفق قوله.

وقال أرباب لـ”دروب” إن “السيطرة على بابنوسة لا تمثّل انتصارًا ميدانيًا فحسب، بل مفتاحًا لتحولات أوسع في خارطة النفوذ؛ فإذا استعادها الجيش، يصبح ذلك تهديدًا مباشرًا لمدينة الضعين، أما إذا ظلت بيد الدعم السريع، فإن الخطر يتجه رأسًا إلى مدينة الأبيض، وهو ما يفسّر شراسة الاشتباكات حولها”.

ولا يقتصر ثقل بابنوسة، وفق أرباب، على بعدها العسكري، بل يمتد إلى بعدها الاقتصادي، إذ تقع ضمن نطاق غني بالموارد الزراعية والثروة الحيوانية، إلى جانب حقول إنتاج النفط، ما يجعلها محور صراع على الثروة بقدر ما هي ساحة قتال.

ويجمع محللون على أن إقليم كردفان أصبح اليوم أكثر مسارح الحرب اشتعالًا، لا لأهميته الاستراتيجية فقط، بل لطبيعة جغرافيته المفتوحة التي حوّلته إلى أرض مكشوفة للعمليات القتالية واسعة النطاق، الأمر الذي تسبّب في خسائر بشرية جسيمة في صفوف المدنيين، وسط غياب شبه كامل للحماية والخدمات الإنسانية.

الانتشار الأفقي

من جهته رأى المحلل السياسي د. مصعب فضل المرجي، أن امتداد السهول الواسعة منح قوات الدعم السريع أفضلية في الحركة والانتشار الأفقي، لكنه في الوقت نفسه جعل المدنيين عرضة لنيران الحرب بصورة غير مسبوقة.

وقال لـ”دروب” إن انسحاب الجيش من مدن كردفان الكبرى يوحي وكأنه “إسقاط للإقليم من الحسابات العسكرية”، محذرًا بقوله: “نحن نسير بخطى متسارعة نحو السيناريو الليبي”.

ولا يستبعد المرجي سيطرة قوات الدعم السريع على الأبيض ومدن جنوب كردفان قريبًا، إذا لم تتدارك القيادة العسكرية خطورة موقفها، وتفتح أفقًا سياسيًا يجنّب البلاد مسار التفكك والانقسام، وفق قوله.

وبينما تتجه الأنظار إلى كردفان باعتبارها قلب الصراع الجديد بعد إنهاك المراكز التقليدية، يظل السؤال المركزي مطروحًا بإلحاح “هل السودان أمام إعادة رسم للخارطة العسكرية والسياسية، أم أمام فصل أشد قسوة في حرب مفتوحة على جميع السيناريوهات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى