تقارير

قاعدة روسية في السودان.. “ورقة البشير التي يلوح بها البرهان”

(تقرير)  3 ديسمبر 2025 – عاد الحديث حول حصول روسيا على موافقة السودان بإنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، الى واجهة الأحداث مرة أخرى، في وقت نفى فيه دبلوماسي سوداني، لـ”دروب” صحة التسريبات، متهما جهات ــ لم يسمّها ــ بإطلاق الحديث، بغرض خلق بلبلة وتوتر بين السودان والسعودية ومصر والولايات المتحدة.

واعتبر سياسيون أن ملف القاعدة العسكرية الروسية على ساحل البحر الأحمر يرتبط في الأساس بنظام الحركة الإسلامية. مشيرين إلى زيارة الرئيس المخلوع عمر البشير إلى روسيا في نوفمبر 2017، وطلبه من موسكو حماية نظامه من الولايات المتحدة، مقابل منح تسهيلات عسكرية بحرية لروسيا في بورتسودان.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال نشرت تقريراً خلال اليومين الماضيين، تحدث عن عرض سوداني جديد لموسكو، الأمر الذي فجّر موجة من التساؤلات إقليمياً ودولياً حول طبيعة الموقف السوداني واتجاهاته الاستراتيجية في ظل حرب داخلية معقّدة وتشابكات إقليمية متزايدة.

وبحسب مصادر سودانية تحدثت لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، فإن المقترح الذي قُدم في أكتوبر الماضي يمنح روسيا حق استخدام قاعدة بحرية لمدة 25 عاماً، تتضمن تمركز نحو 300 جندي روسي، واستقبال أربع سفن حربية روسية، من ضمنها سفن تعمل بالطاقة النووية، في ميناء بورتسودان أو منشأة أخرى لم يُعلن عنها بعد على الساحل السوداني.

محاولات متعمدة

بيد أن وزير الخارجية السوداني السابق، الدكتور علي يوسف الشريف، أكد لـ”دروب” أن ما أوردته الصحيفة الامريكية بشأن عرض سوداني لإنشاء قاعدة روسية على البحر الأحمر “غير صحيح”، مشيراً إلى أن ما نُشر يندرج ضمن محاولات متعمدة لتحميل الحكومة السودانية مسؤولية الدخول في ترتيبات من شأنها إثارة حفيظة الولايات المتحدة ودول الإقليم، وفي مقدمتها السعودية ومصر.

وقال الشريف إن هذا الملف “لم يُطرح للنقاش من الأساس خلال الفترة الأخيرة”، نافياً بشكل قاطع صحة ما ورد في التقرير الأميركي، ومشدداً على أن القضية لم تكن مطروحة لا سياسياً ولا عسكرياً خلال فترة توليه حقيبة الخارجية.

وأضاف: “زرت موسكو في مارس الماضي، ولم يتم التطرق لهذا الموضوع مطلقاً في اجتماعاتنا مع المسؤولين الروس، كما أن هذا الملف لم يرد في أي مرحلة من مراحل مباحثاتنا معهم طوال فترة وجودي في الوزارة، سواء في الإطار السياسي أو العسكري أو غيره”.

وزير الخارجية الروسي، لافروف مع نظيره السوداني السابق، علي يوسف الشريف

واتهم الشريف جهات ــ لم يسمّها ــ بالوقوف وراء فبركة هذا الخبر، بغرض خلق حالة من البلبلة وإرباك الموقف السوداني، وقال: “هناك أطراف من مصلحتها إحداث توتر بين السودان وأقرب حلفائه فيما يتصل بالحرب، وتحديداً السعودية ومصر والولايات المتحدة”.

وتابع: “يمكنني التأكيد أن هذا الملف غير مطروح وغير وارد، وأعتقد أن الجهات الرسمية المعنية ستؤكد ما ذهبت إليه”.

وتساءل الشريف مستنكراً: “لماذا تورد وول ستريت جورنال مثل هذه الترهات؟ والإجابة واضحة، هناك من يسعى لإشعال التوتر وزرع الشكوك بين السودان والدول المعنية بالقضية السودانية”.

وتتوسط الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية ومصر في حل الأزمة السودانية من خلال “الآلية الرباعية” التي تضم كذلك دولة الامارات، حيث تقترح جلوس الجيش وقات الدعم السريع إلى المفاوضات والاتفاق على وقف الحرب.

تعقيدات إقليمية

من جانبه، استبعد الخبير الاستراتيجي والأمني الدكتور الفاتح عثمان محجوب، إقدام السودان على خطوة من هذا النوع في ظل ما وصفها بـ”التعقيدات الإقليمية والدولية الراهنة”، مرجحاً أن ترتد مثل هذه الخطوة سلباً على الخرطوم.

وقال محجوب لـ”دروب” إن “الوضع الدولي الحالي لا يسمح لروسيا باتخاذ أي خطوة تجاه السودان دون مراعاة الرؤية الأميركية، خاصة في ظل سعي موسكو لتسوية ملف أوكرانيا بطريقة تضمن لها مكاسب استراتيجية وتمنع تجدد الحرب”.

وأشار إلى أن روسيا تتلقى “خطابات متضاربة” من الحكومة السودانية بشأن مشروع القاعدة البحرية، مضيفاً: “أحياناً تهاجم الحكومة الغرب وتقترب من روسيا، وأحياناً أخرى تسعى للتقارب مع أميركا وتتجاهل الطلب الروسي، وهذا التناقض جعل موسكو في حالة ارتباك حيال ما تريده الخرطوم فعلياً”.

وأوضح محجوب أن هذا الوضع يدفع روسيا، في الغالب، إلى تجاهل العروض السودانية المتعلقة بالقاعدة البحرية، مرجحاً في الوقت نفسه استمرار الدعم العسكري الروسي للسودان، ولكنه استبعد مشاركتها في مشروع القاعدة البحرية.

وفي السياق ذاته، نقلت مصادر صحفية عن السفير الروسي لدى السودان، أندريه تشيرنوفول، تأكيده عدم حدوث أي تطور في ملف إنشاء قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر، مشيراً إلى أن المشروع ما يزال مجمداً ولم يشهد أي خطوات عملية حتى الآن.

وأوضح تشيرنوفول في تصريحات صحفية أن المعلومات التي نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال تستند إلى وثيقة قديمة وُقعت عام 2020، مؤكداً أن الاتفاقية لا تزال في مرحلة التصديق، ولم يطرأ عليها أي مستجد خلال الفترة الأخيرة.

ورقة سياسية

ورأى رئيس الحزب الاتحادي الموحّد، محمد عصمت يحيى، أن ملف القاعدة العسكرية الروسية على ساحل البحر الأحمر يرتبط في جذوره بنظام الحركة الإسلامية.

وأشار إلى زيارة الرئيس المخلوع عمر البشير إلى روسيا في نوفمبر 2017، حينما طلب – بحسب تعبيره – حماية نظامه من الولايات المتحدة، مقابل منح تسهيلات عسكرية بحرية لروسيا في بورتسودان.

وذكر عصمت لـ”دروب” أن الملف ظل منذ ذلك الوقت ظل ورقة سياسية أكثر منه مشروعاً واقعياً، لافتاً إلى أن مسألة إقامة قاعدة روسية في السودان أصبحت مرهونة بما وصفه بـ”ترمومتر العلاقات الدولية”، لا سيما بين موسكو وواشنطن من جهة، وبين روسيا ودول البحر الأحمر الكبرى مثل السعودية ومصر من جهة أخرى، ما يجعل الحديث عن قيام القاعدة في السودان أقرب إلى كونه “حجوة أم ضبيبينة” أكثر من كونه مشروعاً قابلاً للتنفيذ، وفق قوله.

رئيس الحزب الاتحادي الموحد، محمد عصمت يحيى

وأضاف أن الطبيعة الجيوسياسية الحسّاسة للبحر الأحمر، وتشابك المصالح الإقليمية والدولية فيه، لا تسمح عملياً بوجود قاعدة روسية على السواحل السودانية، نظراً لما قد يترتب على ذلك من اختلالات في التوازنات الأمنية والعسكرية في المنطقة.

وتابع أن “محاولات نظام الحركة الإسلامية والسلطة القائمة في بورتسودان إعادة طرح الملف من وقت لآخر تأتي في إطار استخدام سياسي يائس لورقة خارجية لم تعد مجدية”. مرجّحاً أن هذه المناورات لن تفضي سوى إلى مزيد من العزلة وتسريع وتيرة سقوط النظام.

واختتم رئيس الحزب الاتحادي الموحّد بالقول إن ما نشرته الصحيفة الأمريكية في هذا السياق لا يخرج عن كونه مؤشراً على بداية انكشاف هذه السلطة أكثر من كونه دليلاً على وجود مشروع حقيقي لإقامة قاعدة روسية على الأرض السودانية.

أداة ضغط

ومن جانبه قال المحلل السياسي د.مصعب فضل المرجي ، إن التسريب الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال حول تقديم السودان عرضا لروسيا لإنشاء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، يحمل دلالات معقدة على المستويين الداخلي والإقليمي.

وأوضح في حديثه لـ “دروب” أن مثل هذه التسريبات غالبا ما تكون ذات أهداف مزدوجة، فهي ليست مجرد كشف لمعلومات، بل أداة ضغط سياسية يمكن أن تُستغل لتوجيه الرأي العام الدولي والإقليمي، وتحميل الحكومة السودانية مسؤوليات قد تثير حساسيات كبيرة مع الولايات المتحدة ودول المنطقة، خصوصًا السعودية ومصر”.

وأضاف فضل المرجي أن الملف السوداني في منطقة البحر الأحمر حساس للغاية، لما له من أهمية استراتيجية على خطوط التجارة والطاقة، وبالتالي أي تحرك لتوطيد علاقات عسكرية مع قوى دولية كبرى يجب أن يتم بحذر شديد، وأن يتم توازنه مع مصالح السودان الوطنية والتزاماته الدولية”.

وأشار إلى أن “مثل هذا العرض، سواء كان حقيقيًا أو جزءًا من لعبة سياسية إعلامية، يعكس أيضًا الانقسام في الرؤى داخل القيادة السودانية بشأن استراتيجيات التحالفات الخارجية، كما يكشف هشاشة السودان أمام محاولات الاستقطاب الإقليمي والدولي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى