تطور نوعي.. ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي، الفرص والتحديات في سلام السودان

ياسر عرمان
ضمن الشراكة متعدّدة الأغراض بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، وبمبادرة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تولّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ملف سلام السودان وأعلن وضعه ضمن أولوياته. وهو تطوّر نوعي يضع قضية السلام في السودان على طاولة البيت الأبيض، مما يعزّز مجهودات الخارجية الأمريكية والمبعوث الخاص ويدفع بقوة تجاه وقف إطلاق النار الإنساني. ذلك إنجاز يستحق الترحيب والإشادة من كل السودانيات والسودانيين المهتمين بوقف الحرب.
جدة الثانية الأقرب لإنجاز الهدنة
في جدة الأولى قادت السعودية والولايات المتحدة محاولات حثيثة للوصول إلى هدنة إنسانية، وأحرزت بعض التقدّم الذي لم يكن كافيًا. والآن بالإمكان الدعوة فورًا لاجتماع عاجل في جدة لوقف إطلاق النار الإنساني، بمشاركة بلدان الرباعية وكجزء من حزمة الرباعية المعلنة، من دون فقدان قوة الدفع الحالية.
إعلان الرباعية هو أساس الحل
وجد إعلان الرباعية ترحيبًا شعبيًا سودانيًا كبيرًا لأنه استجاب لمطالب غالبية الشعب السوداني، ووضع مبادئ للحل تخاطب جذور الأزمة، وربط بين وقف الحرب وإنهائها كحزمة واحدة. واعتماده كإعلان مبادئ يشكّل أساس السلام المستدام. فالسلام الدائم في السودان لن تحققه صفقات أو حلول مؤقتة تعيد إنتاج الأزمة وتكافئ أطراف الحرب، خصوصًا الحركة الإسلامية السودانية التي اختطفت الدولة وهددت الاستقرار الإقليمي والدولي.
أين القوى المدنية؟
حرب السودان دفعت بها الإسلاميون وأطراف انقلاب ٢٥ أكتوبر طمعًا في السلطة والموارد، وهي حرب ضد إرادة الشعب الذي قاد ثورة ديسمبر. أي اتفاق سلام لا تسنده إرادة جماهيرية شعبية واسعة راغبة في الحرية والسلام والعدالة سيكون اتفاقًا هشًا وغير مستدام. والجدير بالذكر أن الرئيس ترامب في إدارته الأولى كان ملمًّا بملف السودان، وقد أزال اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وزار وزير خارجيته الخرطوم والتقى رئيس وزراء الحكومة الانتقالية المدنية.
وحدة السعودية ومصر والإمارات ضرورية
تولّي الرئيس ترامب لملف السلام في السودان بمبادرة من ولي العهد السعودي يجب أن يعزّز مبادرة الرباعية، سيما العلاقات بين السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، التي تلعب أدوارًا متفاوتة ومهمة في الوصول للسلام. ونجاح الأمير محمد بن سلمان فيما يخص السودان يحتاج إلى حوار منتج وموضوعي وشفاف بين البلدان الثلاثة يساهم في وضع نهاية لهذه الحرب ومعاناة السودانيين، ويستجيب لمصالح الشعب السوداني ويحافظ على وحدته وسيادته. ومن الأهمية أيضًا استصحاب الدور القطري والتركي.
الرباعية والرباعية.. ما العلاقة بينهما؟
رباعية واشنطن، وقد تكوّنت جانبها رباعية الاتحاد الأفريقي التي تضم الإيقاد والأمم المتحدة والجامعة العربية، وهي أيضًا رباعية مهمة وتجد دعمًا من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. كل هذه المنظمات والبلدان ذات أهمية، ولا بد من إيجاد روابط وتنسيق بين الرباعيتين، ومراعاة البعد الإفريقي للسودان مع بعده العربي. إن جهود إعادة تأهيل وإعمار السودان تحتاج إلى استثمار كل العلاقات الإقليمية والدولية، بما في ذلك العلاقات مع بلدان مثل الصين وروسيا.
ما العلاقة بين الإنساني والسياسي والعسكري؟
حتى الآن لا يوجد رابط بين العملية الإنسانية التي تتولاها رباعية واشنطن وجدة، والعملية السياسية التي يتولاها الاتحاد الأفريقي والقاهرة، والترتيبات الأمنية بين أطراف الحرب. وكل ذلك في بلد واحد وحرب واحدة، ولابد من الربط بين هذه المسارات في إطار متكامل وخارطة واحدة وسلام شامل وعادل.
ما تم في واشنطن يحتاج إلى تنسيق على أعلى مستوى بين بلدان الرباعية، والتوافق بين أطرافها، والتشاور مع رباعية الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وبريطانيا. إن الاستجابة للاحتياجات الإنسانية العاجلة تستدعي اجتماعًا عاجلًا في جدة. وقد توفّرت فرصة نوعية غير مسبوقة؛ فالمملكة العربية السعودية تأثيرها واضح على الجيش ولحدّ ما على الدعم السريع، ويكتمل التأثير عليهما معًا بتوافق بلدان الرباعية. وهذا واضح من الترحيب السريع الذي أبدته قيادة الجيش. وما تبقّى هو التنسيق بين أطراف الرباعية، سيما أن الرئيس الأمريكي تربطه علاقات وثيقة مع كافة بلدانها، مما يعزز فرصة الهدنة الإنسانية التي ينتظرها الشعب السوداني بفارغ الصبر والرجاء.
٢٠ نوفمبر ٢٠٢٥



