تجار الأزمات.. من المستفيد من حرب السودان؟

عبدالمنعم العمرابي
الوخز بالإبرة
تجار الأزمات والذهب المسروق
الحرب في السودان لم تَعُد معركةً من أجل السلطة، بل أصبحت تجارة مفتوحة على حساب الوطن والإنسان كل طلقة تُطلق هناك ثمنها جرام من ذهبٍ منهوب من أرضٍ جائعة، وكل شعارٍ يُرفع في الخارج يغطي على صفقةٍ جديدة في الداخل. من يربح من الحرب؟ سؤال لا يحتاج إلى بحث طويل.. يكفي أن ترى من الذي يزداد غنى بينما يغرق الوطن في الفقر والموت.
وخزة أولى
الذهب.. من مورد وطني إلى خزينة حرب
الذهب الذي كان يمكن أن يكون طوق نجاة للاقتصاد، تحوّل إلى خزينة تموّل المعارك. سيطرة الشركات المرتبطة بالجيش والحركات المسلحة جعلت من المناجم جبهات خلفية للتمويل ومن السوق السوداء شبكة إمداد غير مرئية يهرب الذهب عبر الحدود إلى دول الجوار ويُباع هناك بأسعار مضاعفة لتعود عائداته في شكل سلاح وذخيرة ومرتزقة. بهذه الدورة الملعونة تحيا الحرب وتستمر بينما يموت الناس في صمت.
وخزة ثانية
الحرب كمنظومة ربح
لم تَعُد الحرب مجرد صراع مسلح بل منظومة اقتصادية متكاملة فيها المستثمرون والمستفيدون والوسطاء.
هناك من يعيش في الخارج ويهتف للحرب من وراء الشاشات مستفيدًا من تحويلات الدولار.
وهناك من بقي في الداخل لكن أولاده في أمان بعيدًا يشارك من بعيد ويحصد من قريب وفي الظل مكاتب أنيقة تُدير اللوجستيات تُنسق صفقات وتُوزع الأرباح
تجار الإمدادات والسلاح يكدّسون الثروات من موت الآخرين وشركات النقل والإعاشة تقتات من معاناة الجرحى والنازحين حتى بعض الإعلاميين ومؤثري الخارج وجدوا في عبارة ((دعم الجيش)) منجمًا للدولار يبيعون الكلام ويشترون الولاءات.
وخزة عميقة
وطنٌ يُستنزف على مرأى الجميع
المدنيون هم الخاسر الأكبر والبلد تُنهب قطعةً قطعة باسم الوطنية من يجلس في الخارج يكتفي بتغريدة، ومن يسيطر على المناجم يملأ خزائنه أما الذين يحلمون بوطنٍ آمنٍ وسلامٍ عادل، فهم بين نازحٍ، وجريحٍ، ومهاجرٍ ينتظر معجزة الذهب الذي يُفترض أن يبني المدارس والمستشفيات يُهرَّب والموارد تُدار بعقلية الغنيمة لا بعقلية الدولة.
وهكذا تستمر الحرب لأنها ببساطة تُدر المال لمن أشعلها.
وخزة عند اللزوم
حين يصبح الوطن مشروعًا تجاريًا
في كل حربٍ هناك من يربح ومن يخسر لكن في السودان الفارق صار فاضحًا قادة في المكاتب يتحدثون عن السيادة بينما جنود بسطاء يموتون في الميدان تجار أزمات يرفعون رايات الوطنية، بينما يتقاسمون الأرباح في الفنادق والعواصم.
البلد تُحترق، وهم يبتسمون لأن الدخان عندهم يعني صفقات جديدة هذه ليست حربًا من أجل السودان، بل حرب على السودان.
وخزة نازفة
الفساد الذي تجاوز الذهب
الفساد في السودان لم يَعُد محصورًا في التعدين.
امتد إلى كل القطاعات من الاستيراد إلى الإعلام من المساعدات الإنسانية إلى تجارة الغذاء منطق الحرب واحد كل شيء يُباع ويُشترى، وكل شيء له ثمن (حتى الدماء) الذين يملكون المال والسلاح يقررون من يعيش ومن يموت، ومن يُهاجَر ومن يُهجَّر هؤلاء لا يريدون نهاية الحرب لأن نهايتها تعني خسارة مصدر رزقهم.
وخزة قبل الأخيرة
الطريق إلى الخلاص
لا خلاص للسودان ما دامت موارده بيد تجار الأزمات وما دام الذهب يُدار كغنيمة لا كقيمة.
لا سلام دون تفكيك اقتصاد الحرب ولا استقرار دون كشف شبكات التهريب والمصالح على الصحافة أن تفضح، وعلى المجتمع أن يطالب، وعلى العالم أن يواجه هذه المنظومة التي تُطيل النزاع من أجل الأرباح السودان لن يُنقذ بالبيانات ولا بالشعارات، بل بوقف من يربح من النار بينما يحترق الوطن.
وخزة أخيرة
*كل من يربح من استمرار الحرب عدوٌ لهذا البلد، مهما ارتدى من شعارات الوطنية السودان اليوم ليس بحاجة إلى سلاحٍ جديد بل إلى ضميرٍ جديد إلى وعيٍ جماعي يرفض أن تتحول الحرب إلى مهنة، والوطن إلى سوق وحين يدرك الناس أن السلام لا يجيء من فوهة البندقية بل من فم الحقيقة، سيسقط تجار الأزمات، وسينهض السودان من تحت الرماد.



