تقارير

“تدفع لتنصفك العدالة”.. كيف أصبح حق التقاضي حكرًا على الأغنياء في السودان؟

دروب 1 يونيو 2025 – حذر خبراء قانونيون من إعادة السودانيين إلى عهود أخذ الحقوق بالقوة بعدما فرضت السلطات رسوماً مالية على خدمات العدالة التي تقدمها النيابة العامة كأول سابقة في العالم.

وكانت وزارة المالية السودانية بالتعاون مع النيابة العامة، قد أصدرت يوم الخميس الماضي قرارًا بعنوان “رسوم خدمات النيابة الاتحادية الموحد” تضمن فرض رسوم مالية على ما يزيد عن 52 خدمة عدلية تقدمها النيابة العامة.

شمل القرار خدمات أساسية مرتبطة بحقوق المواطنين أثناء التحري، مثل “الضمانة، والمخاطبات، وفك الحجز، والحجز، وتحريك الإجراءات، وطلبات شطب الدعوى، واستلام صورة من القرار، وطلبات استلام المعروضات، وطلبات المحامين، والطلبات الخاصة بالشخصيات الاعتبارية، وشهادات الفقدان، وطلبات التنازل عن الحق الخاص، وطلبات المرور، وطلبات فك الحظر، وطلبات إحالة الدعوى”، وغيرها من الإجراءات المرتبطة بحقوق المواطنين في العدالة.

تضمن قرار وزارة المالية توجيهًا مباشرًا للنيابة العامة بشأن التصرف في الأموال المحصلة، بمنع إعفاء أي شخص ومنع التصرف أو التجنيب دون ضوابط. وهو ما اعتبرته نقابة المحاميين “إخضاع النيابة العامة لتعليمات مالية تنفيذية تتعارض مع استقلالها كمؤسسة عدلية”.

وأضافت النقابة في بيان إن “القرار خطوة خطيرة تهدد مبدأ العدالة المجانية وتمس جوهر الحق في التقاضي، وتفتح الباب لتجنيب العدالة وتحويلها إلى امتياز لمن يملك دون من لا يملك”.

انحطاط وسقوط

أوضح الخبير القانوني، المعز حضرة، أن ما أقرته وزارة المالية من الناحية المشروعية أمر باطل ولا أساس له من القانون لأن فرض أي رسوم يجب ان تأتي عبر تشريع، بينما لا يوجد في السودان مجلس تشريعي لذلك. وأضاف “للأسف ليس لدينا محكمة عليا أو دستورية حتى يُطعن في القرار”.

“أما من ناحية العدالة الجنائية فإن العالم كله يقدمها مجاناً لأنها جزءًا من واجبات حماية الدولة للمواطن ولا يمكن ان تفرض على شخص يقصد العدالة دفع مالاً”، وفق المعز حضرة.

وأضاف حضرة في تصريح لـ”دروب” “القرار يعني ان من لا يملك مالا لا يجد العدالة، وهذا انحطاط وسقوط أخلاقي وسياسي قبل ان يكون مخالفة قانونية”.

ويفسر المعز حضرة دوافع القرار بأنها نابعة من عقلية “الإسلاميون” الذين يديرون الدولة الآن، موضحاً أنها عقلية قائمة على جباية المال بأي طريقة شرعية أو غير ذلك، وفق قوله.

وحذر من أن القرار سيتسبب في خلل قانوني كبير بميزان العدالة الجنائية، وسيجعل من يملك المال يذهب إلى القانون أما الضعفاء الذين لا يملكونه لا يجدون من يحقق لهم العدالة، وفق قوله.

وتابع “هذا القرار يهدد مبدأ سيادة حكم القانون ومبدأ العدالة والسلم الاجتماعي، ويعيدنا إلى العهود الأولى حيث كل شخص لا يملك المال عليه أخذ حقه بيده بعدما تطور العالم وأصبحت الحقوق تؤخذ بالقانون والإجراءات”.

التمييز في التقاضي

من جهتها قالت لجنة تسيير نقابة المحامين السودانيين إن فرض الرسوم لا يشكل فقط عبئًا ماليًا تعجيزيًا على المواطنين في الوصول إلى العدالة، بل يكرّس التمييز في التقاضي، ويهدد بإقصاء الفقراء والنازحين وضحايا العنف من حقهم المشروع في الحماية القانونية.

ونوهت الى ان الرسوم يمكن أن تُستخدم كأداة لتعطيل العدالة أو لتوظيفها للإضرار بحقوق المواطنين بعضهم ضد بعض، بدلاً من أن تكون وسيلة لإنصافهم.

وشددت على ان خدمات حقوق المواطن هي حقوق مجانية بموجب الدستور والقانون، وليست خدمات خاضعة للجباية أو التسعير. كما انها من صميم مهام النيابة العامة التي يُفترض أن تحميها وتضمن الوصول إليها دون عوائق.

وأضاف ان “القرار يمهّد لمجرمي الحرب الذين ارتكبوا القتل والإخفاء القسري والنهب والاعتقال غير المشروع والتعذيب والاغتصاب من جميع الأطراف، ويشكل إجراءً يفتح الباب للإفلات من العقاب”.

وذكر ان النيابة العامة هي الملاذ الأمن للمواطنين الذين انتهكت حقوقهم، خصوصًا خلال فترات النزاع والحرب.

الإفلات من العقاب

وكانت الوثيقة الدستورية الانتقالية اكدت على مبدأ المساواة أمام القانون، وحق كل مواطن في الوصول إلى العدالة دون تمييز أو حواجز. كما ان تاريخ السودان القضائي، كانت فيه مجانية القضاء الجنائي من الثوابت والمبادئ التي لم تُمس، منذ الاستقلال.

وتسال الدكتور كمال محمد الأمين المحامي، “كيف يمكن لمؤسسة العدالة، التي هي عماد الدولة وضمان حقوق المواطنين، أن تضع حاجزاً مالياً بين المواطن وحقه الأساسي في العدالة”.

وذكر في مقال وصل “دروب” أن أخطر ما في القرار أنه يفتح الباب أمام إفلات المجرمين من العقاب، لا بسبب ضعف الأدلة أو عيوب الإجراءات، بل لعجز الضحايا عن دفع رسوم المقاضاة.

وتابع “هذا يعني أن الجريمة قد تصبح مربحة للمجرمين الذين يستطيعون اختيار ضحاياهم من الطبقات الفقيرة، آمنين من المساءلة القانونية”.

وأضاف أن “هذا القرار يتعارض مع مبدأ أساسي في العدالة الجنائية، وهو أن الدولة هي التي تتولى مقاضاة المجرمين نيابة عن المجتمع، وليس الأفراد. فإذا كانت الدولة تطلب من الضحايا دفع رسوم لتحريك الدعوى الجنائية، فإنها تتنصل من واجبها الأساسي في حماية المواطنين وضمان أمنهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى