“شرط التسجيل”.. قرار حكومي يهدد بوقف 800 مطبخ مجاني بالخرطوم

الخرطوم 21 مايو 2025 – أعرب متطوعون سودانيون عن مخاوف متزايدة من تقييد عمل غُرف الطوارئ بواسطة السلطات السودانية بعد قرار أصدرته ولاية الخرطوم اشترط تسجيل هذه الأجسام للاستمرار في ممارسة عملها.
وحسب ناشطون في العمل الإنساني فإن السلطات تخطط عبر القرار الذي اصدرته للسيطرة على العمل الطوعي وتوظيفه لصالحها من خلال زرع الموالين لها داخل الأجسام الطوعية.
وأشاروا إلى أن القرار سيضع قيودًا على عملهم ويحد من نشاط الغرف التي قدمت مساعدات للمدنيين لأكثر من عامين.
إلا أن مفوض العون الإنساني في ولاية الخرطوم، خالد عبد الرحيم قال لـ”دروب” إن القرار يهدف إلى التنظيم وليس التضييق على أي جهة، مبيناً أن السلطات ترغب في توفير الحماية لهؤلاء الشباب في ظل ظروف الحرب وحالة الطوارئ التي تعيشها البلاد.
وكانت حكومة ولاية الخرطوم أصدرت يوم الإثنين الماضي، قرارًا يشترط تسجيل الكيانات العاملة في العمل الطوعي لدى مفوضية العون الإنساني لمواصلة نشاطها في العاصمة، وهددت المخالفين بإجراءات صارمة، مما قد يؤدي إلى توقف مئات الغرف.
توجد في ولاية الخرطوم نحو 500 غرفة طوارئ، تشغل أكثر من 800 مطبخ جماعي “تكايا”، لإطعام حوالي 600 ألف مواطن أغلبهم في منطقة محلية كرري شمال أمدرمان، وفق ما حصلت عليه “دروب” من معلومات.
وتقوم غرف الطوارئ التي تدير ما يعرف بـ”التكايا الشعبية” بجهود بارزة في مساعدة المتأثرين بالحرب من خلال تقديم الطعام والعلاج، في تعويض لغياب مؤسسات الدولة التي أصبحت غارقة في اتون الحرب.

وضع عراقيل
أبدى عضو في غرفة طوارئ بمحلية أمبدة غرب أمدرمان، مخاوفه من تأثير قرار السلطات بولاية الخرطوم بشأن تسجيل التنظيمات الطوعية، على عمل 65 مطبخًا جماعيًا بالمحلية.
وقال المصدر الذي طلب حجب اسمه لدواعٍ أمنية، لـ”دروب” إن السلطات في ولاية الخرطوم تسعى إلى وضع العراقيل أمام عمل غُرف الطوارئ بهدف السيطرة عليها، مبيناً أن سيتم مناقشته بواسطة غرف الطوارئ خلال الأيام القادمة لأجل الخروج برؤية موحدة حياله.
وتعد غُرف الطوارئ ملاذًا أمنًا لآلاف المدنيين الذين فروا من منازلهم ويعيشون اليوم في مراكز نزوح مؤقتة، وآخرين في منازلهم لكنهم فقدوا مصادر دخلهم جراء الحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023.
من جهته شكا عضو آخر في إحدى غرف الطوارئ بمدينة الخرطوم، من مضايقات وتهديدات يتلقونها من عناصر النظام السابق تعيق قدرتهم على مواجهة القضايا الحيوية في الخرطوم خصوصاً حل أزمة الأدوية.
وذكر العضو الذي طلب حجب اسمه لـ”دروب” أن بعض عناصر النظام السابق شنوا حملات في بعض الأحياء بالعاصمة الخرطوم لإيقاف غرف الطوارئ من خلال إنشاء أجسام موازية أطلقوا عليها “غرفة الطوارئ المجانية”.
كذلك يعمل عناصر نظام البشير على تضييق الخناق على أعضاء غرف الطوارئ ويتهمونهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع التي كانت تسيطر على المنطقة لنحو عامين، وفق المصدر.
ترحيب حذر
وكانت غرفة طوارئ جنوب الحزام بالخرطوم قد أعلنت ترحيبها المبدئي بالقرار مؤكدة التزامها الكامل بتوفيق أوضاعها وفقًا للقوانين المنظمة للعمل الطوعي والإنساني في البلاد.
وقال عضو بغرف طوارئ جنوب الحزام، لـ”دروب” إن الغرفة ستبدأ في إجراءات التسجيل لمواصلة عملها حتى لا يتأثر آلاف المواطنين بتوقف الخدمات.
وأضاف أنه “إذا لاحظت الغرفة أيّ استغلال لعملها من قبل السلطة القائمة أو محاولة تسييس العمل الطوعي لصالحها، ستعيد النظر في خطوات التسجيل وستعلن تبرؤها، حتى لو أدى ذلك لتوقف العمل تمامًا” وفق قوله.
وكانت غرفة طوارئ جنوب اعتبرت في بيان، إجراءات التسجيل التي طالبت بها حكومة الخرطوم، قد تهدف إلى تنظيم العمل الطوعي، وتعزيز الشفافية، وتوضيح الجهات العاملة.
إلى ذلك، قال عضو في غرفة طوارئ شرق النيل لـ”دروب” إن العمل لم يتأثر بالقرار حيث لم يصلهم حتى الآن إخطار رسمي من الجهات المختصة.
وذكر أن غرف طوارئ شرق النيل تشرف على أكثر من 209 مطبخ جماعي “تكية”.
وأضاف أن “ولاية الخرطوم تضم غرف طوارئ رئيسية في المحليات السبع، وكل غرفة بها عدد كبير من الغرف القاعدية، بعضها تابع للوحدات الإدارية، وتحت كل وحدة غرفة قاعدية للأحياء، ومربعات داخل الأحياء، مما يجعل من الصعب حصرها بدقة”.

من أجل التنظيم لا التضيق
من جهته، قال مفوض العون الإنساني في ولاية الخرطوم، خالد عبد الرحيم لـ”دروب” إن قرار تنظيم العمل الطوعي في الولاية، اقتضاه القانون الذي يمنع أي تنظيم من العمل في المجال الإنساني في البلاد دون تسجيل رسمي كمنظمة طوعية.
وشدد أن القرار يهدف إلى التنظيم وليس التضييق على أي جهة، مضيفاً “نحن نرغب في توفير الحماية لهؤلاء الشباب في ظل ظروف الحرب وحالة الطوارئ التي تعيشها البلاد، ونؤمن بحجم العمل الذي يقومون به في سد الفجوات الإغاثية للسكان، وأن الحكومة لا تملك الإمكانيات اللازمة لتغطية احتياجات كافة المواطنين”.
وتابع: “لقد وضعنا شروط مخففة لتسجيل التنظيمات وهي بيانات الجمعية العمومية والهيكل التنظيمي، والنظام الأساسي، ووجود مقر وغيره، ومن ليس لهم نظام أساسي نحن نعطيهم مسودة جاهزة للبناء عليها”.
ونفى رغبتهم في التضييق على غرف الطوارئ الطوعية بهذا القرار، بقدر رغبتهم في تنظيم عمل كل المبادرات والتنظيمات الطوعية في ولاية الخرطوم استنادا إلى قانون العمل الطوعي.
وأشار إلى أن القرار لن يؤثر على المواطنين الذين يعتمدون في معاشهم على المبادرات الطوعية، لأن 95% من التنظيمات والمبادرات الطوعية أكملت تسجيلها لدى مسجل التنظيمات في ولاية الخرطوم، وهي تباشر عملها.
فرض قيود
وبدوره، يقول الناشط في العمل الطوعي محمد سيف لـ”دروب” إن القرار الذي أصدرته ولاية الخرطوم بضرورة تسجيل غرف الطوارئ يهدف إلى فرض قيود ووضع عراقيل على عمل تلك اللجان ومراقبة ما تقوم به.
وأشار إلى أن الغرض من ذلك هو تقليص الجهد شعبي الذي يقوم به المتطوعون في غرف الطوارئ بعد أن عجزت الدولة عن القيام بدورها ظل انهيار القطاع الصحي والخدمي في ولاية الخرطوم.
وتساءل “أين كانت السلطة طوال العامين الماضين وأعضاء غرف الطوارئ يتعرضون للقتل والاعتقال والإختفاء القسري؟”.
وأكد سيف أن الناشطين في العمل الإنساني سيعملون على مناهضة هذا القرار بكل الوسائل حتى لا يتم استغلال العمل الطوعي وتوظيفه لصالح السلطة القائمة التي تسعى إلى السيطرة عليه من خلال زرع الموالين داخلها داخل تلك الأجسام.