متطوعون سودانيون يدفنون أكثر من 7 آلاف قتيل مجهول الهوية بأمدرمان

أم درمان 5 مايو 2025 – دفن متطوعون في مدينة امدرمان السودانية، أكثر من 7 آلاف جثمان لأشخاص مجهولي الهوية قتلوا بالمدينة خلال سنتين من الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
تشمل هذه الإحصائية فقط الجثامين التي وصلت إلى مستشفى النو شمال مدينة امدرمان، حيث أنشأ متطوعون بالمستشفى قسم “مجهولي الهوية” للعمل على تجهيز الجثامين ومواراتها الثرى في حال عدم ظهور ذويها بعد 48 ساعة من وصولها.
قال علي جباي، وهو أحد مؤسسي قسم مجهولي الهوية بمستشفى النو، لـ”دروب”، إن القسم استقبل عدد 7450 جثمان منذ بدء الصراع في 15 أبريل 2023، بعضها ظهر ذويه والبعض الآخر ووري الثرى بعد تدوينه في سجل المفقودين.
“في أول يوم للحرب استقبلنا جثمانًا من الثورة الحارة 30 مقطوع الرأس بسبب رايش مقذوف دبابة، ومن هنا بدأت المبادرة بتوفير الأكفان لمجهولي الهوية بمجهود ذاتي”، وفق جباي.
وفي 23 مايو 2023 جاء رجل مسن يدعى جدو مالك، إلى مستشفى النو لوحده وهو مصاب بالفشل الكلوي توفي في ذات اليوم، قام المتطوعين بدفنه بمقابر السرحة بعد 24 ساعة من وفاته، لتتوالى بعد ذلك الجثامين مجهولة الهوية على مستشفى النو.
وأضاف جباي، “بعد ثلاثة أيام من نشر صورة جدو مالك، عبر صفحاتنا بموقع فيسبوك ظهر ذويه وأخبرناهم بمكان قبره”.
ظل مكتب مبادرة “مجهولي الهوية” يتنقل من مكان لآخر داخل مستشفى النو الذي أصبح أكبر مرفق صحي يستقبل المرضى بالعاصمة السودانية، بعد توقف مستشفيات الخرطوم وأمدرمان وبحري، بسبب وقوعها في دائرة الاشتباكات، حتى استقرت المبادرة في إحدى المكاتب يحوي ثلاجة موتى لحفظ الجثامين.
وأوضح جباي، أن مهام القسم تتمثل في استلام جثامين مجهولي الهوية وتكفينها ودفنها بما في ذلك الجثامين التي تصل من أقسام وحراسات الشرطة ومراكز الاحتجاز التابعة للجيش.
وأشار إلى وجود قسم الشهيد عثمان مكاوي، لمجهولي الهوية الأحياء، وهم المرضى الذين يصلون المستشفى لإجراء عمليات ويضطرون للانتظار أياما أو حتى غير المرضى في بعض الأحيان، مردفاً “استطعنا أن نصل إلى كثير من ذويهم، ونقوم برعايتهم من خلال توفير الطعام والشراب والعلاج”.
كشف جباي، عن وجود رصد لمجهولي الهوية منذ بدء الحرب، مضيفاً أن “الرصد يتضمن تاريخ وصول الجثامين وصورهم، كما أن جزءًا كبيرًا من ذويهم استطاعوا الوصول إليهم بعد دفنهم والبعض الآخر لم نصل إلى ذويهم لكن نحتفظ بأماكن الدفن والبيانات الشخصية”.
بروتوكول التعامل
وتابع “برتوكول التعامل مع المجاهيل يختلف من حالة إلى أخرى، فاذا كان المتوفى جاء عن طريق الحوادث بالمستشفى يحول إلينا عبر إجراء رسمي بواسطة المدير الطبي، ونشرع أولا في تصوير الجثمان ونضع بياناته في الارشيف ثم نرفعها في صفحاتنا بمواقع التواصل الاجتماعي ونخاطب النيابة التي تقوم بالاجراءات القانونية داخل المستشفى، ثم يحضر الطب العدلي والأدلة الجنائية للقيام بالإجراءات التي تليهم ثم نتظر 48 ساعة إذا لم يحضر ذوي المجهول نقوم بدفنه”.
وذكر جباي، أن بعض الجثامين التي تصل إلى قسم مجهولي الهوية من أقسام وحراسات الشرطة، يتبعون الإجراء اللازم عبر البلاغ الذي يأتي من النيابة تحت المادة 51 اجراءات ثم دفنها بعد اعلان البيانات الشخصية، مشيرا إلى أنه في الأشهر الأولى كانوا يدفنون الموتى المجهولين دون اجراءات قانونية مع الاحتفاظ بالبيانات لكن بعد مباشرة النيابة مهامها كل الاجراءات باتت تتم بصورة رسمية عبرها، وفق قوله.
وقال إن معظم مجهولي الهوية يموتون عبر القصف العشوائي كما حدث في سوق صابرين على سبيل المثال وبعض الأحياء، مردفاً “استقبلنا في ذلك اليوم 53 جثمانا بينهم أطفال، وبعضهم يصلون الينا عبر قوات الشرطة التي تجدهم في الطرقات أو الخيران وبعضهم يفقدون حياتهم في الحراسات، كما نتسلم بعضهم عن طريق أشخاص يعثرون عليهم في الشوارع، كما أن الجيش وجهاز المخابرات العامة يأتون بمجهولي هوية فارقوا الحياة”.
من جانبه، يشير المتطوع بمستشفى النو، سامي طلعت، إلى أن الشباب المتطوعون في قسم مجهولي الهوية، يعملون بلا مقابل، في ظل ظروف قاسية.
وأضاف “تعاملنا مع مشاهد صعبة جدا لا توصف، المتطوعون يحتاجون إلى جلسات نفسية لأن ما يتعرضون له خلال أداء مهامهم صعب حقا، حيث تصل جثامين بترت أطرافها أو قطعت رؤسها والأكثر ايلاما وصول جثامين مجهولة لأطفال”.
وأشار إلى ضحايا حادثة تحطم الطائرة العسكرية التي سقطت في الاسكان الحارة 72 في 25 فبراير الماضي، وصلت جثامينهم إلى مستشفى النو بصورة بشعة.
وناشد طلعت عبر “دروب” المجتمع الدولي بدعم وتشجيع الشباب المتطوعين الذين يقومون بجمع الجثامين من الشارع العام ودفنها لأنها عرضة لنقل الأمراض، بحسب تعبيره.