تقارير

دار المسنين بـ”الأبيض”.. منسيون في جحيم الحرب السودانية

الأبيض – 1 أبريل 2025 – في قلب مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان غربي السودان، يقبع بيت شُيد بالطوب الأخضر، يحتضن بين جدرانه ما يربو عن خمسة عشر مسنًا، يحملون معهم سنوات طويلة من الذكريات شاهدة على حياة مليئة بالمحن والآلام، غير أن الحرب التي ضربت السودان قلبت حياتهم رأسًا على عقب.

وفاقم الصراع المستعر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نحو عامين، أوجاع الشرائح المستضعفة ولم تكن فئة المسنين في الدور المنتشرة في أنحاء البلاد استثناء.

وتشهد مدينة الأبيض منذ أيام قصفا عشوائيا تشنه قوات الدعم السريع على الأحياء السكنية ما أوقع ضحايا وسط المدنيين، كما تدور اشتباكات متقطعة بين الجيش وقوات الدعم السريع حول المدينة.

أوضاع سيئة

قالت حواء أبو سارة جابر، المشرفة بدار رعاية المسنين في مدينة الأبيض، في حديث لـ “دروب” إنهم كانوا يعتمدون على دعم مؤسسات مثل دار الزكاة، إضافة إلى مساهمات فاعلي الخير، لكن بسبب الحرب، توقفت دواوين الحكومة عن تقديم الدعم، كما اضطر العديد من المتبرعين للسفر، ما أدى إلى ضعف الخدمات وتأثر أوضاع النزلاء بشكل كبير.

وأوضحت أن أكبر التحديات التي تواجه المسنين بالدار هي توفير الدعم النفسي للنزلاء، وتأمين الاحتياجات الأساسية من المواد التموينية والملابس، بالإضافة إلى الحفلات الترفيهية والزيارات الاجتماعية التي كانت تساهم في تحسين حالتهم المعيشية والنفسية، لكنها توقفت تمامًا بسبب الحرب، مشيرة إلى أنه حتى شاشة التلفاز التي كانوا يشاهدونها لم تعد تعمل، بسبب انقطاع الكهرباء

لم تسجل في الدار حالات إصابة أو وفيات بسبب الحرب، لكن الأوضاع المعيشية والنفسية للمسنين باتت سيئة جدًا، وفق مشرفة الدار.

وسلط تقرير أصدرته منظمة “HelpAge International” في أكتوبر 2024 بعنوان “في مرحلة الشيخوخة” الضوء على التحديات التي يواجهها كبار السن في ظل النزاعات المسلحة في السودان، مشددا على ضرورة حماية حقوق كبار السن أثناء النزاع.

وأكد التقرير أن النزاعات المسلحة تزيد من ضعف هذه الفئة، مما يجعلهم أكثر عرضة للتهجير، العنف، وفقدان الدعم الاجتماعي، كما دعا التقرير إلى ضرورة التزام الدول والمجتمع الدولي بتقديم خدمات الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي لكبار السن، وتأمين وصولهم إلى الغذاء والمأوى.

يحتاجون لكل شيء

قالت أمل غبشاوي، المتطوعة في مبادرة “رحمة من أجلهم” المهتمة بأمور المسنين في مدينة الأبيض لـ “دروب” بنبرة تكسوها الحسرة “الأوضاع سيئة بالدار، ملابس المسنين رثة ومخزن المواد التموينية فارغ، وهم يحتاجون لكل شيء حالياً لتحسين أوضاعهم المعيشية”.

وأضافت أن الكثيرين في المدينة لا يعلمون بوجود دار للمسنين، لكن عند معرفتهم بالمبادرة، يبدون دعمهم بطرق مختلفة، حتى أن بعض سائقي التاكسي يرفضون تقاضي الأجرة احترامًا لعملهم.

وتستعيد غبشاوي ذكرياتها عن بعض أصدقاءها النزلاء الذين عاشرتهم لسنوات طويلة وعايشت معهم المآسي لحظة بلحظة قائلة: “معظم النزلاء القدامى لم يتبق منهم سوى أربعة فقط، كان هناك عم هبيلة الكفيف، لكنه كان يعرفني من صوتي، أما  العم عبدالرحمن، كان عمره 105 سنوات، لكن ذاكرته حية، غير أنه حكّاءً رائعًا ومثقفاً يحلق بنا في مسامراته الماتعة، هؤلاء الآباء والأمهات لديهم ذاكرة متقدة، وأرواح مشبعة بالتاريخ والحكي والأنس الرحيم.

وأردفت “نحن بحاجة لكل شيء، من الطعام إلى الملابس، وحتى لمجرد زيارة يمكن أن تضيء وجوه هؤلاء المسنين بالسعادة. الحرب حرمتهم من أبسط حقوقهم، ونحن نحاول، لكننا بحاجة إلى المزيد من الدعم”.

ولم يرد وزير التنمية الاجتماعية على طلب للتعليق في ظل هذه الظروف، تحاول بعض المبادرات سد الفجوة والقيام بدور الجهات المناط بها تقديم العون لدور المسنين، مثل مجموعة “رحمة من أجلهم”، التي تقودها بهجة الطيب وأمل غبشاوي وآخرون، حيث يقدمون ما يستطيعون من دعم، لكن الاحتياجات تفوق بكثير ما هو متاح، حسب القائين على المبادرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى