“مستشفيات بلا كوادر”.. سكان الخرطوم بين جحيم الأمراض وغياب العلاج

خاص 18 سبتمبر 2025 – يعيش آلاف المواطنين في ولاية الخرطوم هاجس الأمراض المعدية التي تتفشى في صمت، بينما تقف المستشفيات شبه مُعطلة والخدمات الصحية غائبة بسبب نقص الكادر بعدما توزع الأطباء بين النزوح واللجوء.
ومع تردي الأوضاع الاقتصادية وتضاعف المعاناة، يجد المواطن نفسه في سباق مرير مع الزمن بحثاً عن علاج يخفف أوجاعه، لكن دون أن يجد الرعاية التي يحتاجها، وفق ما رصدته “دروب” من حالات بالخرطوم.
في شوارع الخرطوم شبه الخالية عدا أصوات متقطعة للسيارات، يعيش المرضى وذووهم رحلة يومية من العناء خلال بحثهم عن العلاج. ليس المرض وحده ما يهدد حياتهم، بل غياب الخدمات الصحية وتراجع المستشفيات عن أداء دورها الأساسي.
كان “م. م”، البالغ من العمر 64 عاماً والمقيم في جنوب الخرطوم، واحداً من هؤلاء. أصيب بالأنيميا مع اشتباه بحُمى الضنك، لتبدأ عائلته رحلة شاقة بحثاً عن العلاج.
يروي ابنه لـ”دروب”: “نقلنا والدي إلى المستشفى التركي بالكلاكلات، لكننا صُدمنا بعدم توفر بنك دم وعدم وجود كوادر طبية مؤهلة سوى بعض الأطباء المتدربين. لم يكن أمام الأسرة خيار سوى نقله إلى مستشفى بشائر، على بُعد 15 كيلومتراً، حيث وجدنا بنك دم، لكن الخدمة العلاجية كانت شبه معدومة لغياب الكوادر”.
وبعد يوم كامل من التنويم في مستشفى بشائر، نصحهم أحد العاملين بالتوجه إلى السلاح الطبي في أم درمان، إلا أن إدارة المستشفى الأخيرة رفضت استقبالهم بحجة أن المريض لا ينتمي إلى قوة نظامية ولا يملك بطاقة تأمين صحي.
ومع تدهور حالته، توجهوا به إلى مستشفى النو، لكن الاكتظاظ كان خانقاً، إذ يفترش المرضى الأرض ويتلقى بعضهم العلاج تحت الأشجار خارج الأسوار. يقول الابن: “عدنا إلى البيت في رحلة استغرقت ساعتين، بينما حالة والدي تزداد سوءاً.”
وفي اليوم التالي، ساعدهم أحد المعارف في إدخاله إلى مستشفى أم درمان التعليمي، حيث شُخّصت حالته بنقص الصفائح الدموية، ليتم تداركه بعملية نقل صفائح دم عاجلة.
ولم تكن “أ. إ”، سيدة خمسينية من جنوب الخرطوم، أوفر حظاً. فقد تعرضت لكسر في ساعدها، وبدأت رحلة بحث عن طبيب عظام في مشافي العاصمة. إلا أن رحلتها لم تسفر حتى عن تشخيص أو صورة أشعة.
وتروي السيدة لـ”دروب” “نصحني البعض بالسفر إلى نهر النيل أو الشمالية، لكن ضيق ذات اليد حال دون ذلك”، مضيفة: “اضطررت للجوء إلى معالج شعبي بعدما تورم ساعدي، وما زلت أتعالج بالدلك الطبيعي.”
قصتا “م. م” و”أ. إ” تعكسان مأساة أوسع يعيشها مئات المرضى في العاصمة الخرطوم، حيث تتحول المستشفيات من ملاذ للشفاء إلى محطات خيبة. وبينما تتسع رقعة الأمراض مثل حمى الضنك، يبقى سؤال المواطنين بلا إجابة: أين يجد المرضى العلاج؟.
تدمير ممنهج
السلطات الصحية بولاية الخرطوم أقرت بتأثر القطاع الصحي بشكل كبير جراء الحرب، بعد أن اتخذت قوات الدعم السريع عدداً من المستشفيات كثكنات عسكرية. ورغم ذلك، أكدت أنها نجحت في تشغيل عدد من المرافق الطبية لتقديم الخدمات العلاجية لسكان الولاية.
وقال مدير الطب العلاجي بوزارة الصحة، د. أحمد البشير لـ”دروب”، إن الولاية تكبدت خسائر فادحة نتيجة “التدمير الممنهج” للمنشآت الطبية بواسطة قوات الدعم السريع، مضيفاً أن الوزارة بذلت جهوداً كبيرة لإعادة المستشفيات والمراكز الصحية إلى الخدمة.
وكشف البشير عن إعادة تشغيل 24 مستشفى لتقديم الخدمات الإسعافية والتخصصية، إلى جانب 210 مراكز صحية موزعة على أنحاء الولاية، فضلاً عن 14 عيادة متنقلة. وأشار إلى أن مستشفى البلك للأطفال بأم درمان توسع من 22 سريراً أثناء الحرب إلى أكثر من 200 سرير حالياً، فيما تستقبل مستشفيات أم درمان والتركي وبشائر نحو 520 حالة يومياً.
وعزا البشير تراجع مستوى الخدمات إلى الحرب وما خلفته من دمار في البنى التحتية، مؤكداً: “نحن نعمل بكل طاقتنا لتقديم الخدمة العلاجية بشكل جيد رغم الظروف الصعبة.”
ويوم الأربعاء قررت اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بولاية الخرطوم استنفار الجهود الرسمية والشعبية والمنظمات للحد من انتشار حمى الضنك التي تفتك بالمواطنين بالعاصمة.
ووجهت اللجنة وزارة الصحة بتصميم رسالة التوعية لبثها عبر الإعلام الجماهيري داخل الأحياء السكنية وخلال منبر الجمعة بالمساجد، وتخصيص يوم مفتوح بقناة الخرطوم غدا الجمعة لذات الغرض، بالتزامن مع تكثيف حملات الرش بأنواعه المختلفة لمكافحة نواقل الأمراض.