أخبار

تدهور العُملة يُنذر باتساع دائرة الفقر بالسودان

بورتسودان 24 أغسطس 2025 – شكا مواطنون من تدهور الأوضاع المعيشية نتيجة تراجع قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، في وقت حذر فيه خبراء من اتساع دائرة الفقر بالبلاد نتيجة الانهيار المتسارع للعُملة الوطنية.

وأعرب مواطنون عن استيائهم من زيادات متسارعة في أسعار غاز الطهي، حيث ارتفع سعر الأسطوانة خلال شهر واحد ثلاث مرات متتالية، قافزاً من 49 ألف جنيه إلى 73 ألف جنيه سوداني.

وأرجع اقتصاديون هذه الزيادات إلى التراجع الحاد في قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، إضافةً إلى نقص المعروض وزيادة الطلب بعد توقف عدد من حقول النفط في غرب البلاد وتدمير مصفاة الجيلي جراء المعارك بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، ما أدى إلى ظهور سوق سوداء لأسطوانات الغاز مستغلةً ضعف الرقابة الحكومية.

وسجل الجنيه السوداني تراجعاً كبيراً أمام الدولار، إذ كشف متعاملون في السوق الموازي للصرف بولاية كسلا عن ارتفاع جديد في سعر الدولار ليصل إلى 3400 جنيه، بينما بلغ الريال السعودي 960 جنيهاً.

وفي جولة ميدانية لـ”دروب”، رُصدت زيادات واضحة في أسعار السلع الأساسية التي يدخل الغاز الطبيعي في إنتاجها، وعلى رأسها المخبوزات. فقد ارتفع سعر قطعة الخبز زنة 50 جراماً إلى “200” جنيهاً، من “120” جنيه  فيما لجأت بعض المخابز إلى استخدام الحطب بدلاً عن الغاز لمواجهة الزيادة الكبيرة في تكاليف الإنتاج.

وقال سامر عبد الله التوم، وكيل مخبز بمدينة حلفا الجديدة، إنهم اضطروا للتخلي عن الغاز بعد أن أصبح غير مجدٍ اقتصادياً، مضيفاً: “رغم لجوئنا للحطب لتقليل التكلفة، إلا أن العائد ضعيف للغاية في ظل تراجع القوة الشرائية”. وأوضح أن رفع سعر الخبز أكثر من “200” جنيهاً سيجعل المستهلك عاجزاً عن الشراء، مؤكداً أن ارتفاع أسعار الدقيق والخميرة وأجور العمال يضع المخابز في مأزق كبير.

كما أشار مواطنون إلى أن ارتفاع أسعار الغاز انعكس مباشرة على البدائل الأخرى مثل الفحم النباتي، الذي تجاوز سعر الجوال منه 40 ألف جنيه، إضافةً إلى الزيادة الكبيرة في تعرفة الكهرباء التي ارتفعت بنسبة تفوق 500% للكيلوواط. وقال خالد إبراهيم لـ”دروب” إنهم اضطروا منذ أشهر للاستعاضة عن الغاز بالسخانات الكهربائية والفحم، لكن ارتفاع أسعارهما جعل الأمر أكثر صعوبة على المواطنين. ودعا السلطات المختصة في قطاع الوقود إلى مراعاة أوضاع المواطنين الذين يعانون من موجة الغلاء المتصاعدة في ظل الحرب وتأخر صرف الرواتب.

اتساع رقعة الفقر

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي أن السبب الرئيسي وراء هذه الزيادات يعود إلى التراجع المستمر لقيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، موضحاً أن انخفاض قيمة العملة الوطنية يعني عملياً تراجع القوة الشرائية للمواطن، الأمر الذي يقود إلى اتساع رقعة الفقر وزيادة معدلات الهشاشة الاجتماعية وعدم الاستقرار.

وأشار فتحي في تضريح لـ”دروب” إلى أن متوسط الدخل في السودان منخفض للغاية، في حين أن معظم السلع المستهلكة مستوردة، خصوصاً الغذائية والكهربائية والوقود. وأضاف أن ارتفاع الدولار يؤدي بالضرورة إلى زيادة أسعار الواردات، ما يفاقم عجز ميزان المدفوعات ويضغط على الموازنة العامة، وقد يدفع وزارة المالية إلى فرض ضرائب جديدة تزيد الأعباء على المواطنين والقطاع الخاص. كما أن ارتفاع تكاليف الإنتاج يضعف قدرة الشركات الوطنية على المنافسة ويهدد بزيادة معدلات البطالة نتيجة توقف بعض المصانع عن العمل.

وأوضح فتحي أن صعود الدولار يضاعف القيمة الحقيقية للديون الخارجية، ما يصعب على الدولة سدادها ويزيد من عجز الموازنة. وتوقع أن يلجأ المواطنون إلى استبدال مدخراتهم بالعملات الأجنبية لحمايتها من التآكل، وهو ما يضعف الاقتصاد الوطني أكثر ويؤدي إلى فقدان الثقة فيه، وبالتالي تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحويلات المغتربين.

وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية العملة الوطنية، منها دعم الإنتاج المحلي وتوفير مستلزماته، وتشجيع الشباب على إقامة مشروعات صغيرة عبر قروض ميسرة، إلى جانب تشديد الرقابة على أسعار السلع والخدمات الأساسية، باعتبارها خطوات إصلاحية ضرورية لوقف التدهور الاقتصادي المتسارع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى